بقلم - عمرو هاشم ربيع
مواجهة الشائعات أمر مهم فى أى نظام سياسى معتبر. حديث الماضى القريب عن تعرض البلاد لـ21 ألف شائعة فى ثلاثة أشهر فقط، أمر خطير للغاية، الرقم يشير إلى نحو 233 شائعة فى اليوم الواحد، بالتأكيد أنه رقم كبير، ويبدو فيه مبالغة، لكنه على أى حال يعبر عن وضع خطير.
منذ عدة أيام قام التليفزيون المصرى، بمحطاته المختلفة التى تبث من ماسبيرو، بالتصدى لبعض الشائعات، تذكر الشائعة، ويرد عليها فى الحال. الأسلوب يبدو للوهلة الأولى جيد فى سرعة المواجهة، لكنه متأخر جدا، ويأتى كرد فعل لحديث الـ21 ألف شائعة، كما أنه علاج وليس وقاية من هذه المشكلة الكبيرة.
الوقاية هنا تبدأ بأن تكون النظم السياسية التى تسعى إلى مواجهة الشائعات، تبدأ هى بذاتها، حتى تستطيع أن تكون محل ثقة شعبها. بعبارة أخرى، من غير الملائم السعى لمواجهة الشائعات، وفى نفس الوقت يتم إصدار شائعات تفضى لمزيد من البلبلة، وهو ما يحدث نكاية فى تيار سياسى معين، أو لطمأنة الناس قبل مباغتتهم فى منطقة أخرى، أو لإلهاء الناس فى أمر ما للفت الأنظار عن أمر آخر جلل.
اعتماد النظم السياسية منطق المصارحة والشفافية مهم للغاية، بمعنى ألا تترك أى أمر للقيل والقال، فيكون هناك إخبار مستمر للمواطن عن خطط الحكومة نحو الأسعار، ونحو التشغيل والتوظيف، وكذلك حركة الاستثمار والائتمان والضرائب، وكذلك الكشف المستمر عن حقيقة لماذا بقى هذا المسؤول فى منصبه ولماذا عزل، أكان رئيسا للوزراء أم وزيرا أو رئيس هيئة... إلخ. وكل ما سبق هو على الأرجح المصدر الرئيسى لثلة معتبرة من الشائعات.
مهم كذلك للوقاية من الشائعات فتح المجال العام أمام الناس، بمعنى ألا يكون هناك مصدر وحيد للمعلومة، أو أن يعتبر البعض نفسه حجر الزاوية فى نقل الأخبار. هنا تبدو المعارضة مهمة فى أى نظام سياسى للكشف عن الفساد والرقابة على الحكومة وإبراز وجهه النظر الأخرى فى أى إصلاح. فى هذا المضمار يتحتم الإشارة لدور البرلمان فى قيادة هذا العمل باعتباره أداة التداول السلمى للسلطة فى أى نظام سياسى، عوضا عن حال الخلل البين فى العلاقة بينه وبين السلطة التنفيذية، ما يجعله مجرد بصمجى وبوق للسلطة فى بعض النظم السياسية. أيضا وجود مناخ حر ومهيئ لعمل الأحزاب السياسية والمجتمع المدنى، دون أية قيود دستورية أو قانونية أو عملية.
إن أحد الأمور التى تشل حركة أى مجتمع وتجعل الشائعة فيه هى سيدة الموقف، يتمثل فى عدم وجود معارضة حقيقية تكون بديلا عن النظام السياسى القائم. فالنظم السياسية ليست معسكرات تعتمد على الأوامر والطاعة، بل هى حياة ديمقراطية كاملة وحقوق إنسان مقررة، بها تحترم ليس فقط من قبل شعوبها بل من قبل بلدان العالم الأخرى، فتأتى المساعدات الاقتصادية والتبادلات التجارية وغيرها. المؤكد أن المعضد للأحزاب الحقيقية والمجتمع المدنى المستنير، والذى ينتفى معه وجود شائعات فى المجتمع هما القضاء والإعلام. الإشارة هنا إلى أن يكون القضاء مستقلا، لما فى ذلك من أثر مهم على أحكامه. والثانى أى الإعلام يكون بموضوعيته وحياده، بحيث لا يكون بوقا سواء للنظام الحاكم أو لأى جماعة إرهابية خارجة عن القانون، لدرجة أن يصبح هو نفسه مصدرا للشائعة أو ناقلا لها. المؤكد أن كل ما سبق يمكن لأى نظام سياسى أن يتعاطى معه للوقاية من الشائعات، خاصة أنه لا يعتمد على تكلفة مالية، أى إقرار موازنات أو أموال، فهو فى النهاية قرار سياسى وليس اقتصاديا.
نقلا عن المصري اليوم الفاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع