بقلم - عمرو هاشم ربيع
المحليات هى مربط الديمقراطية فى أى من النظم السياسية المتمدينة. وبالمقابل هى أساس التخلف السياسى للعديد من النظم الرجعية والشمولية. من هنا تأتى المحليات كنقطة جوهرية فى البرنامج المفترض أن يكون للرئيس السيسى، بغية الاستعداد لانتخابات 2022، التى يرتجى منها أن تكون انتخابات حقيقية وليست صورية، انتخابات تنافسية غير معلومة وغير متوقعة النتائج كتلك الانتخابات التى تجرى بعد عدة أيام.
وللمحليات فى مصر سمة خاصة ومميزة مقارنة بغيرها فى النظم السياسية المقارنة. فمصر من أعتى الدول المركزية الضاربة فى أعماق التاريخ وعبابه، ومن ثم فإن نظم الحكم المتواترة عليها كثيرا ما كان حديثها عن الحكم المحلى مجرد كلام إعلامى ومرسل، يقصد به الاستهلاك اللفظى والدعائى، حتى لو اشتملت القوانين والدساتير المتعاقبة منذ عقود على العبارات الشهيرة «اللامركزية-نقل السلطة-...إلخ». إذ إنها فى النهاية كانت تفضى العملية السياسية فيها إلى إدارة محلية بامتياز.
ولأن القرية أو المركز أو المدينة أو المحافظة هى الأسس الرئيسة للوحدات المحلية، فإن دعم تلك الوحدات على المستويين التنفيذى والشعبى- هو ما يجلب التنمية للمحليات على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
هناك مقترحات كثيرة لدعم المحليات ولدورها التنموى، منها اقتراح الرئيس السيسى فى برنامجه الشفهى فى انتخابات 2014، وهو مقترح سبقه له كثيرون من خبراء التنمية المحلية القدامى، وهو إعادة تقسيم المحافظات مرة أخرى، وجعل كلا منها تتضمن ظهيرا صحراويا وظهيرا شاطئيا على النيل أو البحرين الأحمر والمتوسط.
العمل على انتشال المحليات من بؤر الفساد الذى تعج به نتيجة مناخ الفقر المدقع فى العديد من المحافظات- هو سبيل آخر للخروج بالمحليات من دائرة العوز والحاجة إلى المركز فى كل كبيرة وصغيرة، وهذا الأمر يرتبط بما سبق ذكره من إعادة رسم جغرافية المحافظات، بحيث لا تحتاج دوما للمركز فى تنمية مواردها، وبحيث يكون هناك نوع من توزيع الموارد والثروات فوق الأرض وفى باطنها على المحافظات المختلفة.
يرتبط بما سبق مباشرة، دعم سلطة المحافظات على مواردها، بحيث تنخفض حاجتها للمركز كلما احتاج الأمر لعائد تنموى يقتضى ذلك. هنا يشار إلى أنه من الأهمية إطلاق يد المحليات فى جلب الموارد والضرائب المحلية لصالح تنمية المحافظة، دون أن يفضى ذلك لفكاكها من الأجهزة الرقابية المركزية والمحلية.
أحد الأمور الرئيسية التى تساعد أيضا على انتشال المحليات من كبوتها، العمل على إعادة توزيع السلطة بينها وبين المركز، يحدث ذلك عبر إنهاء مسألة التفويض القائمة بين الطرفين، وتحويلها إلى نقل للسلطة ونقل للصلاحيات إلى المحافظات. من غير الملائم على الإطلاق أن يترك للمحافظين مسؤوليات بلا سلطات، ما يجعل الكثيرين عازفين عن قبول تلك المناصب «الورقية». هنا يشار إلى أنه من الأهمية بمكان إنهاء احتكار السلطة للمركز بوزاراته المختلفة السيادية والخدمية، تاركة المحافظ خالى الوفاض. وبالمقابل لا يمكن المطالبة بنقل السلطة والصلاحيات من المركز للمحافظة، وفى ذات الوقت هناك احتكار للسلطة من قبل المحافظة فى مواجهة الوحدات المحلية الأدنى كالمدينة والمركز والقرية.
إحدى أهم الآليات للرقى بالمحليات وجود مجالس شعبية على قدر من المسؤولية، ترفع العبء عن نواب البرلمان ودورهم الدخيل عليهم والمجبرين على أدائه كنواب خدمات. منح الصلاحيات التشريعية والرقابية لممثلى تلك المجالس فى كافة الوحدات المحلية (المحافظة- المدينة- المركز- القرية)- يدعم رقى تلك الوحدات، بعد قيامها على أسس ديمقراطية سليمة. هنا من الأهمية سرعة تنظيم انتخابات تلك المجالس الموعودة من قبل الرئيس عام 2017 دون تحقيق هذا الوعد لأسباب غير معلومة.
بهذه المقترحات ومقترحات أخرى، يمكن الارتقاء بالمحليات، وجعلها أداء للتجنيد السياسى، وعملية يتم من خلالها تدريب المواطنين بالمحليات على ممارسة السلطة والعمل السياسى، ما يمكن هؤلاء من الترشح بكثافة للمناصب القيادية المنتخبة، ومنها انتخابات الرئاسة لعام 2022.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية