بقلم - عمرو هاشم ربيع
اليوم مليونية لدعم مصر، ولدعم صانع القرار لمنع الترانسفير. نريد أن نعلن للعالم كله أن أمن مصر القومى خط أحمر، لا يحل أى طرف مشاكله على حسابه. وكان مجلس الأمن القومى قد أحسن صنعًا بالتأكيد على أحد أهم ثوابت السياسة الخارجية، هى منع تهجير الفلسطينيين إلى البلدان المجاورة. وبالتأكيد إذا كانت تلك سياسة مصر وسلوكها الخارجى مع الدول المجاورة للكيان الصهيونى شرقا وشمالا، فمن باب أولى أنها نفسها السياسة التى ترفض أن تكون التهجير على أرضها، أى جهة الجنوب.
ومصر دولة مضيفة بطبعها للغير، وعلى أرضها يقطن الملايين من السوريين واليمنيين والليبيين والسودانيين والعراقيين. لكن رغم ذلك فإن هناك حساسية مصرية تقليدية من جانب استقبال الفلسطينيين، فرغم استقبال الآلاف منهم لأغراض شتى، إلا أن مصر دائما ما تتحفظ على استقبالهم كلاجئين دائمين، يرتبط ذلك بسياسة مصر بالحفاظ على الهوية الفلسطينية من الطمس والمحو على مر السنوات، وهو أمر يرتبط بأمن مصر القومى وليس العربى فقط، لأن معنى قبول التهجير، أو منح الجنسية غير الفلسطينية للفلسطينى أن تمحى الهوية العربية لهؤلاء الناس، وتمحى معها المناطق التى يتم التهجير منها داخل فلسطين التاريحية، وكل ذلك إن حدث فهو بالتأكيد لصالح استكمال المشروع الاستيطانى الاستعمارى الأجنبى فى المنطقة، الذى بدأته بريطانيا منذ مطلع القرن العشرين، وتكرس عام 1947 بنشأة كيان يهودى. جدير بالذكر أن واحدا من أسوء الأمور التى يمكن أن تضر بأمن مصر القومى، هو أن تجاور الكيان الاسرائيلى. بعبارة أخرى كلما قلت مساحة التجاور بين مصر والكيان، الإسرائيلى كلما كان ذلك أفضل لمصر كثيرا.
والجدير بالذكر هنا أن المسافة بين رفح وطابا هى 210 كم، وأنه وفقا لقرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الأمم المتحدة فى نوفمبر 1947، كانت مصر تجاور الكيان الاسرائيلى فى نصف المساحة الواقعة بين طابا ورفح تقريبا، بطول حوالى 120كم. اليوم بعد عدوان 1967 أصبحت تلك المساحة 198 كم.
اليوم بدأت دعاوى جديدة من دعاوى التهجير، ظهرت مع حرب طوفان الأقصى التى بدأت فى 7 أكتوبر الحالى، فبعد أن أفاقت إسرائيل من الصدمة التى هزت ولا تزال تهز كيانها الاستعمارى، بدأت دعاوى قادتها للفلسطينيين فى غزة، وبعض هؤلاء من عرب 1948، باللجوء إلى مصر هربًا من القتال، ثم خففت الدعوة بالهروب باتجاه جنوب القطاع، ولا يخفى على أحد أن إسرائيل تريد أن تحقق بتلك الدعاوى غرضين الأول قصير المدى بإفساح شمال القطاع لهجوم برى كبير، تتوهم من خلاله أنها ستقضى على حماس. الغرض الثانى، بعيد ومتوسط المدى، يتمثل فى نقل سكان القطاع إلى سيناء بغية ضمه إلى الكيان العبرى، أو على الأقل وقوعه تحت سيطرتها كما تفعل الأن بالضفة الغربية لنهر الأردن.
لا شك أن قدوم الفلسطينيين إلى مصر كلاجئين وفق دعوة المستعمر، هو أمر يضر إلى جانب طمس القضية الفلسطينية، بأمن مصر القومى، إذ ستجاور مصر الكيان المستعمر على كل الخط الحدودى بين رفح وطابا، وستصبح هناك تكأة لهذا الكيان بضرب المقاومة الفلسطينية فى سيناء كلما وقعت عملية مقاومة داخل فلسطين، وهو أمر غير مقبول على الإطلاق، ويجر المنطقة لأتون صراع لا ينتهى. وقد أحسنت السلطة الفلسطينية وحركة حماس، والكثير من البلدان العربية صنعًا برفض مخطط التهجير، والتذكير بما حدث من موجات استيطان أعقبت كل الهجرات التى شابها الكثير من الخيانات والمؤامرات فى فلسطين منذ عام 1947 وما قبله.
أمس الأول الأربعاء رد الرئيس السيسى متهكما على دعاوى الترانسفير بالإشارة إلى إمكانية أن تقوم إسرائيل باستقبال العدد الذى تريد تهجيره من قطاع غزة إلى النقب، وهى كما هى معروف من خريطة التقسيم أرض صحراء واسعة، وهذا الرد من الرئيس بديهى ومنطقى، لأن تلك الأرض ضمن قرار التقسيم عام 1947. بل لا غرو أن نضيف إذا كان الكيان الصهيونى لا يرضى بذلك فيمكن أن يقبل بالتهجير إلى بئر سبع أو الجليل، وهما منطقتان واسعتان الأول جنوب الخليل والثانية فى الشمال إلى جوار طبرية، وتتبعان أرض فلسطين المحتلة عام 1948، أى لا علاقة لهما بإسرائيل المعترف بها أمميا.
أن المنطقة تمر اليوم بمنعطف خطير، يحتاج إلى تضافر الجميع خلف قيادة تسعى كما هو واضح إلى تحقيق الأمن والاستقرار لمصر ومحيطها العربى.