بقلم - عمرو هاشم ربيع
لا يمكن إنكار أن بعض الانتقادات سواء الجادة أو غير الجادة هى تلك التى توجه إلى عملية الاستثمار فى البنية التحتية اليوم والمتعلقة بفقه الأولويات، وأن التعليم والصحة هما أبرز ما يحتاجه الشخص فى مجتمع ينتقل نحو التطور. من هذا المنطلق أيضا ينتقد الكثيرون ما تقوم به الحكومة من عدم الالتزام بالنسب الدستورية المخصصة للإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمى، على اعتبار أن تلك النسب لو كانت الحكومة قد بدأت فى تنفيذها منذ تعديل دستور 2012 عام 2014 لكنا اليوم على أعتاب المعدلات العالمية فى الإنفاق على تلك القطاعات المهمة.
هذا الحديث يدور بمناسبة الحاجة الملحة للاهتمام بالعناية المركزة فى المستشفيات الخاضعة إلى الحكومة، خاصة وأن تلك الحاجة أصبحت ضرورية لثلاثة أسباب. أولها، زيادة عدد من هم ينتمون لفئة كبار السن، خاصة من هم فوق سن الـ70 عاما، بسبب ارتفاع معدلات العمر. وثانيها، كثرة الحوادث التى نشاهدها يوميا خاصة بسبب وسائل النقل وعلى الطرق السريعة، ما جعل الحاجة ماسة لإسعاف هؤلاء. وثالثها، الحاجة إلى علاج الأطفال حديثى الولادة داخل الحضانات الخاصة بالعناية المركزة لعلاج أمراض الأسابيع الأولى من الولادة للأطفال المبتسرين والخدج كالصفراء ونقص الأكسجين بالمخ وغيرها. كل هؤلاء يحتاجون إلى توافر أماكن لهم ترعاهم بشكل كريم وآدمى، حتى لا يخضعون وذويهم من الطبقتين المتوسطة والدنيا لاستغلال وابتزاز المستشفيات الخاصة، والتى وصل سعر اليوم الواحد فى العناية المركزة بها إلى 30 ألف جنيه.
لغموض المعلومات مع وضوح ظاهرة القصور تواصل كاتب تلك السطور مع الأستاذ الدكتور حسام بدراوى لما له من باع كبير فى هذا المجال، إضافة لاهتماماته الأخرى المتعددة.
الدكتور حسام أشار إلى أن المشكلة الرئيسية أمامنا هى نقص المعلومات حول عدد أسرّة العناية المركزة المتواجدة على مستوى الجمهورية، والمناطق ذات الاحتياج لها، وطبيعة التجهيزات المطلوبة معها، وكذلك الأدوية والأشعات التى يتطلبها مريض العناية المركزة بشكل يومى وربما لحظى. إضافة إلى ذلك نحن فى حاجة إلى تجهيزات أكثر رقيا من القائمة، لأنه من غير السليم وضع مرضى العناية المركزة فى غرفة كبيرة يفصلها ستائر، بل نحتاج إلى غرف منفصلة، ومتابعة دقيقة ولحظية من متخصصين عبر شاشات كمبيوتر معدة خصيصا لذلك.
الأكثر مسئولية على القيام بهذه الأعباء هم وزارة الصحة إلى جانب مستشفيات جامعة عين شمس والقصر العينى. فوزارة الصحة هى من بيدها إمكانية استيراد ذلك بالتعاون مع وزارة المالية، وهى من خلال التعاون مع المحافظات والمحليات قادرة على معرفة الاحتياجات الكاملة لكل محافظة. فلكل محافظة خصائصها الديموغرافية المتصلة بعلاقة المكان بالعمر وبالأمراض وبجغرافيا المكان. وهى (أى وزارة الصحة) من خلال منح ترخيص المستشفيات الخاصة القادرة على عدم تكدس أماكن العناية المركزة فى منطقة واحدة وترك المناطق الأخرى من الجمهورية مهجورة تماما. نفس الأمر متعلق بمعامل ومراكز الفحوصات التخصصية، التى تخدم مستشفيات العناية المركزة، والتى تعلم وزارة الصحة أماكن تواجدها، باعتبارها القائمة على ترخيصها، فتلك المعامل تقدم عديد الخدمات المعاونة للفحوصات الطبية التى ربما لا تكون متوفرة فى مستشفيات العناية المركزة.
من هنا فإن أكثر الأمور التى تساعد للخلاص من تلك المشكلة فوق توافر المعلومات آنفة الذكر، هو توافر الاعتمادات المالية والطواقم الطبية والفنية القادرة على المتابعة.
وهذه الأمور مهمة للغاية، لأن سرير العناية المركزة غير سرير الغرف العادية فى المستشفيات. فهو سرير مقاوم لقرح الفراش، وغير ثابت من جميع أركانه، وقادر على التعامل مع المريض عند نقله أو عمل الأشعات والتحاليل وقياسات الضغط وغيرها، ناهيك عن تعامله مع أجهزة التنفس الاصطناعى.
بنفس الدرجة تقريبا تأتى أهمية إدارة السرير من حيث الطواقم الفنية والطبية ذات الخبرة الكبيرة.
واحد من أبرز الأمور المسيئة للوضع الطبى فى مصر، انتشار مستشفيات العناية المركزة بير السلم، وهى خارجة فى الأغلب الأعم عن رقابة وزارة الصحة، أو أن الوزارة لا تلقى بالا بشأنها. وتلك الأماكن خالية من أى ضمانات لتوافر رعاية مركزة سليمة.
بطبيعة الحال نحن لا نحتاج إلى مبادرات رئاسية فقط فى هذا الشأن، لأنه من غير المنطقى أن نعتمد فى كل مطلب على مبادرة رئاسية، أو أن ننتظر منح رجال الأعمال من هذا وذاك. فتوافر الموازنة المخصصة للصحة كفيل بالحد من تلك المشكلة.