بقلم - عمرو هاشم ربيع
إدارة الأزمات بالوقاية هو أحدث وأفضل أساليب الإدارة. قديما كانت إدارة الأزمات تتم عند وقوع الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية. اليوم فإن أفضل طرق إدارة الأزمة هو عدم الوصول إلى الأزمة بداية. قد لا تكون هناك مؤشرات نجاح ملحوظة لهذا الأسلوب، لأن الأزمة لم تقع بعد حتى يدعى البعض النجاة منها. لكن الواقع يشير إلى أنه يمكن قياس نجاح هذا الأسلوب من إدارة الأزمات فى المجتمعات التى تنتشر فيها الأزمات. فمجرد عدم تواتر وقوع الأزمة فى تلك المجتمعات سيعد مؤشرا على النجاح.
ودائما ما يكون النظر إلى المجتمعات المجاورة هو درس أو إنذار مبكر لعلاج الأزمات المتوقعة بأسلوب الوقاية، ولنا هنا مثالان أحدهما داخلى والآخر خارجى بشأن تلافى الأزمات قبل وقوعها.
داخليا، من الممكن أن يستفاد من تجارب الآخرين الناجحة لتلافى أزمات الشح المتوقع لبعض الموارد الطبيعية. خذ على سبيل المثال توقع شح المياه مع زيادة عدد السكان ومضى إثيوبيا -حتى الشهر الماضى- فى بناء سد النهضة. هذا الأمر ولد شعورا ليس فقط لدى الحكومة بل للكثير من الناس بأن القادم خطير ما لم يقتصد المرء فى استهلاك المياه، لذلك بدأ التفكير العملى فى معالجة الأمر بالتوسع فى الصوبات الزراعية والرى بالتنقيط والرى بالرش وتجنب زراعة محاصيل الغمر الكثيف وحفر الآبار وتحلية مياه البحر واستغلال مياه الأمطار وإعادة معالجة مياه الصرف الصحى والزراعى والصناعى...إلخ. جانب ثانٍ أو أزمة ثانية، هو استدراك الخطر القادم من الالتهاب الكبدى الوبائى، وتنبيه الناس بسرعة علاج المرضى منهم قبل استفحال هذا الوباء فى الجسم، وذلك بالكشف المجانى عليهم. وعلى العكس من كل ذلك، نجد خيبة كبيرة فى عدم تدارك أزمة انحسار السياحة بعد وقوعها منذ ثلاثة أعوام، وذلك بسبب الاعتماد على السياحة الروسية بشكل كبير دون خلق بدائل لها بشكل مسبق.
أما بالنظر إلى الخارج، فحتماً تضع الدولة -وأى دولة- نصب عينها على ما يحدث الآن من توترات فى الشارع فى أكثر من عاصمة دولية وعربية ناتجة عن غلاء المعيشة. تلك الاضطرابات ما كان لها أن تحدث لو قامت القيادات والنخب الحاكمة بدعم شرعية وجودها، عبر سياسات أكثر جماهيرية وشعبية. المشكلة أن القيادات تبدأ عهدها بالسلطة وهى فى أوج شعبيتها، ثم لا تبرح تلك الشعبية فى الانحسار تدريجيا، إما بفعل اعتياد التأييد، أو توقعه الخاطئ، أو الغرور. المؤكد أن الاستفادة من ذلك تكمن عبر البعد عن اتخاذ إجراءات فجائية، وغير تدريجية، وماسة بالغالبية العظمى من الناس. وبالطبع اتخاذ سياسات أخرى تدعم الشرعية، على رأسها محاربة الفساد أياً كان مصدره، واتخاذ خطوات لدعم تنفيس الناس عن آرائهم...إلخ.
خلاصة الأمر أن ما تحتاجه مصر فى الوقت الحاضر هو سرعة تنمية كادر فنى قادر على إدارة الأزمة بالوقاية، هذا الكادر يكون مدربا تدريبا جيدا، ولديه قدرة كبيرة على التنبؤ، وكذلك تصنيف الأزمات وتبويبها وترتيبها وفق أهميتها، وأيضا امتلاك مؤشرات للإنذار المبكر قبل وقوع الأزمة، ووضع التصورات والبدائل للوقاية من الأزمات، ناهيك عن علاجها بعد وقوعها لتلافى المزيد من آثارها السلبية، وكذلك امتلاك مهارة استثمار الوقت للوقاية من الأزمات، وأخيراً وليس آخراً، استغلال الموارد المتاحة بكفاءة لمنع وقوع الأزمات.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع