بقلم : وفاء بكري
حادثتان روتهما لى والدتى- ربنا يخليها لى ويبارك فى عمرها يا رب- عندما كنت طالبة فى المرحلة الثانوية، عن عبدالناصر وزمانه، مازالت تتذكرهما جيدًا، ومازالتا محفورتين فى ذاكرتى لأن إحداهما جعلتنى أتأكد من الأكاذيب التى حاكت هذا الرجل طوال سنوات ماضية، ومع ذكراه من كل عام تتجدد الروايتان أمامى وأعيدهما لوالدتى، الأولى كانت خاصة بأحد أقربائها، الذين تم تعيينهم فى أحد «مصانع عبدالناصر»- كما يحلو لها دائمًا إطلاقها على المصانع التى شُيدت فى عهد ناصر- فقط كان يمر أمام المصنع، يتأمله، وإذا بأحد العاملين ينادى عليه: «إنت عايز تشتغل، معاك إيه؟» ليرد: «معايا دبلوم»، فيبتهج الرجل: «ده انت تشتغل مدير على طول»، هكذا كان تقدير «المتعلمين»، وعدم السماح بأن يكون هناك عاطل، دون التقيد بسابق خبرة، أما الحادثة الثانية، التى تعتز بها والدتى كثيرًا، وهى اتجاه عدد كبير من أقاربها وجيرانها- غير المنتمين إلى الاتحاد الاشتراكى وقتها- إلى القصر الجمهورى لإثناء عبدالناصر عن التنحى بعد نكسة 67، لدرجة أن أحدهم حمل «مسدسه الخاص»، وأقسم- وهو صعيدى- بأن يقتحم القصر على «جمال» إذا رفض العودة إلى قيادة مصر، هكذا كان حب الناس لعبدالناصر، وهكذا روجت «الإخوان» طوال سنوات طوال بأن الذين التفوا حول الزعيم كانوا من «الاتحاد الاشتراكى»، وما أشبه الليلة بالبارحة، فمازالوا يشككون فى أى حدث ناجح داخل مصر، وكل حشد هو «أمن مركزى»، وكما روجوا الأكاذيب حول ناصر مازالوا يفعلون ذلك. طوال نصف القرن، كانت الأكاذيب تُحاك حول عبدالناصر وزمنه وقراراته، وبالتأكيد هناك بعض الأخطاء، فلا يوجد زمن خالٍ من الخطأ، إلا أن الإخوان حاولوا بكل السبل «شيطنة ناصر»، ولكنهم لم يستطيعوا، روجوا أنه الزعيم المهزوم، وسار معهم بعض الإعلاميين و«المُدَّعين»، ولم يقف إلا «ذوو الحكمة» ليفندوا مكاسب ناصر السياسية فى هذه الحروب، كتبوا جميعًا فى الوثائق والصحف العالمية، أشاعوا أن ناصر زيّف تاريخ مصر، بعد ثورة يوليو، بالرغم من أن ميثاق العمل الوطنى الذى قدمه عبدالناصر من 10 أبواب كان بينها 3 أبواب كاملة تتحدث عن تاريخ مصر قبل الثورة، وذكر عن محمد على، مؤسِّس الدولة الحديثة، مع التحدث عن جذور النضال الوطنى، فكيف إذن مَن يتحدث عن ذلك يحاول محو التاريخ، كما أن ناصر لم يزل تمثالًا واحدًا أو اسمًا لعائلة محمد على، إذن هو كان لا يبحث عن مجد شخصى، وإنما مجد أمة، وبالطبع «الأبواق الإخوانية» كانت تذيع فى كل مكان أكاذيبها، ومع ذلك لم تمسّ حب الشعب المصرى حتى الآن لناصر، الذى قال عنه الكاتب الإنجليزى «جون جونتر»: «إن مصدر قوة عبدالناصر الرئيسى أنه يرمز إلى تحرير وتقدم جماهيريته، فقد أعطى لشعبه ما لم يكن يملكه من قبل: الأمل».. إلى الزعيم العظيم جمال عبدالناصر فى ذكراه الـ50: ستظل ملهمًا.