بقلم : وفاء بكري
قبل أيام، تلقيت اتصالًا تليفونيًا من زميل يسكن فى شقة مؤجرة بإحدى المدن الجديدة، التى تبعد عن مقر عمله عشرات الكيلومترات، يدفع قيمة إيجار ما يزيد قليلًا عن ربع دخله شهريًا، يستشيرنى فى نقل محل إقامته إلى شقة جديدة فى مشروع «الإسكان الاجتماعى»، عن طريق التأجير أيضًا، ولكن من صديق له سيجامله فى قيمة الإيجار. زميلى اختار السكن فى هذه المدينة الجديدة «البعيدة» عن عمله اقتنًاعا منه بأن «المستقبل هناك»، وهو يريد لأبنائه حياة أفضل، ويريد لنفسه أبسط الأمور فى إنهاء الأوراق الحكومية بشكل أسرع، وشوارع منظمة، وبالرغم من اصطدامه بأنه لم يجد ما يحلم به حتى الآن، فإنه لايزال متمسكًا بـ«حلمه». اختار زميلى أن ينتقل من «شقته المؤجرة» بالقرب من الخدمات والمواصلات إلى أخرى بالمدينة نفسها لتوفير «بعض النقود» لأسرته فى هذا «الزمن العصيب»، ولكنه اصطدم مرة أخرى بـ«التهديدات المتتالية» من قِبَل أجهزة المدن لأى فرد يفكر فى تأجير وحدته بمشروع الإسكان الاجتماعى، فالقانون يرفض هذا فى «مشروعات الدولة»، ويعتبره «جريمة» يعاقب عليها «المواطن» بسحب وحدته، التى «ذاق الأَمَرَّيْن» حتى تم تخصيصها له، فهو ذلك «المواطن» الذى «لف كعب داير» بين صندوق الإسكان الاجتماعى والبنوك لمدة قد تصل إلى سنتين أو ثلاث، بخلاف انتظاره بالساعات على «الخط الساخن» لتعديل «اسم» أو تحديث بيانات. القانون رفض «التأجير» لأنه يُعد استخدامًا فى غير الغرض الأساسى للوحدة، وهو «السكن الخاص»، بل اعتبره جريمة تستحق «الضبطية القضائية»، فى منتصف الليل، نعم..
هكذا أعلن عدد من مسؤولى هيئة المجتمعات العمرانية أن ممثلين لأجهزة المدن وشرطة التعمير لديهم هذه السلطة لتفحُّص الوحدات فى أوقات مختلفة تصل إلى منتصف الليل أحيانًا للتأكد من هوية شاغليها. حاولت بشتى الطرق تفهُّم هذا الأمر، لم أستطع ولم أسْتَسِغْه، فمادام المواطن من «محدودى الدخل» ولم يستطع السكن فى المشروعات المتميزة التى تطرحها الدولة، فلابد أن يُجبر على العيش فى المشروع حتى ولو كان عمله بعيدًا، ويستطيع إفادة غيره مؤقتًا، وغيره لا يستطيع حتى دفع أقساط وحدة مماثلة، فى الوقت الذى نعلم فيه أن هناك نسبة كبيرة ممن وقع عليهم الاختيار للحصول على وحدات فى «دار مصر» مثلًا باعوا «إيصالات التخصيص» فيما يُعرف بـ«الأوفر» بقيمة وصلت إلى نصف مليون جنيه، أى تربُّح واضح، لكنها تواجه «محدودى الدخل» بـ«الضبطية القضائية» فى منتصف الليل. مشروع الإسكان الاجتماعى يحتاج إلى بعض المرونة لـ«إشغاله»، فاتركوا «محدودى الدخل» يدعمون بعضهم، فليس من المعقول أن يكون شعار المشروع «ممنوع الاقتراب أو التأجير».