بقلم : وفاء بكري
كانت الحياة تسير هادئة جميلة، قد تشوبها حادثة قتل واحدة تكون «الشغل الشاغل» للناس لمدة قد تزيد على سنة كاملة، يتحدثون عن حادث قتل مريب وغريب، وقد كانت أكثر الحوادث الصادمة حقًا، والتى جعلت السيدات فى رعب حقيقى، حادثتان وقعتا فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى، وعُرفت الحادثتان إعلاميًا بـ«فتاتى المعادى والعتبة»، وكان حكم الإعدام هو الرادع لمنفذى الجريمتين، كانت الحياة حتى وقت قريب لا توجد فيها «تليفونات بكاميرات»، وكانت صحافتها تهتم بـ«قضايا الناس» اليومية، وليس بـ«أعراضهم».
اليوم نمسك بالصحف الورقية، فنجد قضايا «زنى المحارم» متصدرة، نتصفح المواقع الإلكترونية، فتطارد أنظارنا حوادث بالجملة، النسبة الكبرى منها تتعلق بـ«الأعراض»، ذلك الرجل العنتيل وتلك المرأة اللعوب وهذا الشاب المنفلت، والأغرب أن لهذه الحوادث «تسجيلات فيديو»، بل وصلت إلى مئات الفيديوهات لحادث واحد، جميعها تكشف عورات و«ستر» بيوت وأسر، بها أطفال وسيدات ورجال محترمون، متى ترعرع فى «صحافتنا الجادة الوقورة» كشف ستر الناس؟
الإجابة يعرفها كل مَن يعمل فى وسطنا الصحفى، تسمى «الترافيك» و«التريند»، الذى يؤدى إلى زيادة زوار المواقع، قد يكون بعض الصحفيين معذورين بحثًا عن هذه القضايا ونشرها فى سبيل إنقاذ «مواقعهم» من الإغلاق وعدم «تسريحهم» من أماكن عملهم- وإن كنت بشكل شخصى لا أقبل هذا العذر نهائيًا- وقد يكون الباحثون عن مثل هذه القضايا، والذين يسهمون فى «الترافيك» لديهم «أعذار أيضًا»، أو «يقتلهم الفضول»، ولكن الذى لم أستطع استيعابه حتى الآن هو الشغف بـ«التصوير» إلى هذه الدرجة، والإسهام فى فضح الآخرين حتى قبل إدانتهم قانونًا، ونشر أسماء البعض، دون اعتبار أن هناك أسرًا كاملة قد تُدمر بفعل هذا «الترافيك»، فيها أطفال وشباب قد يكونون على حافة الانهيار، مع ظهور أحد من أهلهم فى فيديو تم نشره على مواقع التواصل الاجتماعى، ولا نتعجب أن نرى خلال فترة وجيزة الملايين من المرضى النفسيين ومَن يريدون الانتقام من المجتمع جراء ما تم نشره، والغريب أن هناك مَن يبرر نشر الفيديوهات، والأكثر غرابة أن هناك مواقف يتم توثيقها بكاميرات الموبايلات نشعر معها بأننا نعيش زمن «اللاإنسانية»، آخرها فيديو الطفل الرياضى، الذى مات فى ناديه بعد أدائه التدريبات، فكيف لم يفكر مَن قام بالتصوير لحظة فى «قتل أم إنسانيًا» عندما تشاهد ابنها وقت وفاته فجأة، «كاميرا الموبايل» يا سادة لن تعيد «القيم والأخلاق»، لحظات التوثيق قد تثبت إدانات قانونية بالفعل، ولكن «العيون» تشهد أيضًا، وهذا يكفى مع القَسَم أمام المحاكم، لن تحصلوا على «نوط الشجاعة» بعد تصوير إنسان وهو يُهان أو فضح سيدة، ولن تزيد «ترندات الأعراض» الصحافة شيئًا، بل تنتقص منها، وعلى الدولة التحرك لحماية مجتمعها وصحافتها، لديها «المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية»، ولديها بدل الجهة الواحدة لإنقاذ الصحافة والإعلام «4 جهات»، وآخر دعوانا: «اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك، واحْمِنا من (لعبة ترند الأعراض)».