بقلم : وفاء بكري
قبل نحو عام ونصف العام كتبت في هذا المكان مقالا عن «العيب» الذي بات «يغلف» مجتمعنا المصرى، ونبهت أن السلام المجتمعى يكاد يكون أهم من بناء الاقتصاد منفردا، ولكن يبدو أن «زمن التيك توك» بات مُصرا على هدم كل قيم عايشناها وطبقناها في حياتنا، كل شىء أخلاقى يتهدم فوق رؤوسنا، وكل القيم تهوى دون إنقاذ، لا أعرف كيف وصل حالنا لهذا التدنى، لدرجة جعلت أن يكون النائب العام أو ما يعرف بـ«محامى الشعب» هو القائم بمحاربة هذه الأمور ومواجهتها بمفرده، وبالمناسبة أحيى هذا الرجل المحترم المستشار حمادة الصاوى، عما يقوم به الآن، الذي جعلنا نشعر بأن لنا «ضهرا عادلا»، ولكن هناك أشياء لن يستطيع مواجهتها النائب العام، فهى لا تدخل تحت طائلة القانون، وإنما تحت طائلة «القيم المجتمعية»، ولا أعرف مدى إمكانية تطبيق قرار الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، الخاص بـ«غرامة التنمر»، على مثل هذه المواقف.
لا أرى مثالا أفضل مما حدث مع الممثل القدير عبدالرحمن أبوزهرة، خلال الأيام الماضية، بعد «طلبه المشروع» بالعمل، قرأت مثلما قرأ غيرى تصريح الأستاذ أبوزهرة، بأنه يريد أن يعمل، وألا يتجاهله المنتجون مثلما فعلوا مع بعض الكتاب والمخرجين والفنانين الكبار، تأثرت بكلام الرجل، فدائما بعدما تهدأ الأمور أضع نفسى مكان المتحدث أو صاحب المشكلة، وأطبقها على نفسى، لم أتأثر فقط، بل أشفقت على «عجائزنا» في مثل عمر «أبوزهرة»، بعدما فوجئت بسيل من الاتهامات للرجل، والبعض يسرد مواقف ضده، وكأنه هاجمهم شخصيا، كيف لنا بمهاجمة من يطلب طلبا مشروعا بالعمل، أو يعانى من التجاهل فيحاول جذب الانتباه إليه وإلى غيره ممن يعانون معاناته، لقد أصبح الشباب الآن «أكثر عنفوانا» على «كبيرهم»، التهكم على «الكبار» أصبح في الشارع «عينى عينك».
وفى العمل لا يوجد خطوط فاصلة بين أصحاب الخبرة والمبتدئين، وباتت مواقع التواصل الاجتماعى أشبه بـ«لوبى» لجماعات من الشباب، يحاولون دائما تغيير دفة أي قضية، والتأثير على الآراء وفرض آرائهم، هل دعم الشباب الدائم يعنى القضاء على «الكبار» والعجائز؟، هل من يكبر عليه أن يتوارى؟، لا يوجد في دين سماوى ما يسمح بإهانة الكبير، فنبينا محمد «صلى الله عليه وسلم»، يقول في حديثه الشريف: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا»، وفى الكتاب المقدس: «من أمام الأشيب تقوم وتحترم وجه الشيخ وتخشى إلهك. أنا الرب» (لاويين 32:19)، «تجاهل كبرائنا» أصبح من «سمات العصر» و«لوازم الوجاهة لبعض الشباب»، وهو ما ينذر بخطر مجتمعى ينضم لكثير من المخاطر تحيط بنا الآن، وبشكل شخصى أصبحت أخشى أن يأتى اليوم الذي قد أصل فيه لهذه السن وقد أطلب عملا فيخرج البعض ليتهمنى بأشياء «خارج إطار طلبى المشروع»، أريد الاطمئنان على حالى وحال أصدقائى من هم في نفس سنى بعد 20 عاما من الآن، فالعين أصبحت تعلو على الحاجب بميزان الأيام المقلوبة.