توقيت القاهرة المحلي 03:43:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ناتو عربى أم سنى.. كلاهما مرفوض

  مصر اليوم -

ناتو عربى أم سنى كلاهما مرفوض

بقلم : د. حسن أبوطالب

تناقلت صحف أمريكية خبراً مفاده أن إدارة «ترامب» تدرس بسرية تامة إنشاء ما قد يسمى بـ«تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجى»، يتكون من بعض دول الخليج العربية وكل من مصر والأردن، والهدف هو مواجهة التهديدات الإيرانية، وأن يكون عوناً للولايات المتحدة فى مواجهة إيران. بعض التفاصيل الأخرى أضافت أن الهدف هو تشكيل ناتو عربى سنى على غرار حلف الناتو الذى تقوده الولايات المتحدة، أى يقتصر على الدول العربية السنية فى مواجهة التوسع الإيرانى، على أن تتولى الولايات المتحدة توريد نظم الأسلحة والاتصالات المطلوبة لهذا التحالف المزمع. مصدر أردنى حكومى نُسب إليه أن بلاده مع بعض دول عربية أخرى تلقت بعض أفكار أمريكية تدور حول التنسيق والتعاون لمواجهة التهديدات المشتركة ولم يزد. المفارقة أن هذا الطرح لم يُشر من قريب أو بعيد إلى مشاركة عراقية فى هذا التحالف الاستراتيجى المزعوم رغم العلاقات الوثيقة بين الطرفين. ورغم كونه تحالفاً يخص الشرق الأوسط وفقاً للاسم المقترح فهناك غياب لأطراف رئيسية فى الشرق الأوسط حسب التصنيف الأمريكى، كتركيا وباكستان وإسرائيل، ما يؤكد أن المقترح يستهدف عرباً وحسب فى مواجهة باقى العرب وباقى القوى الإقليمية، وفقاً لحسابات أمريكية بحتة.

وسواء كان الأمر عربياً فقط أو سنياً فقط أو مزيجاً بينهما، فالفكرة نفسها ليست جديدة، لقد طُرحت عدة مرات سابقة فى زمن إدارة بوش الابن الثانية، وطرحت بأشكال مختلفة فى عهد الرئيس كلينتون، وطرحت بتعديلات فى عهد الرئيس أوباما، ثم أخيراً تطرح فى عهد إدارة الرئيس الحالى «ترامب». وكانت الصحف الأمريكية ذاتها قد رجحت فى مايو 2017، وقبل عقد القمة الإسلامية الأمريكية بالرياض، بأن الرئيس «ترامب» سوف يعلن عن إنشاء «ناتو إسلامى سنى» بهدف عزل إيران، وهو أمر لم يحدث، ربما لإدراك العاقلين فى إدارة «ترامب» آنذاك أن الفكرة ليست واقعية وتتجاوز مصالح المنطقة إن لم تدمرها تماماً.

وليس بجديد على الولايات المتحدة أن تطرح أفكاراً كبرى تخص المنطقة وتغلفها بسياق يبدو إيجابياً لدى البعض، وهى فى حقيقتها مصلحة أمريكية إسرائيلية فقط لا غير. وإذا تصورنا أن مثل هذا التحالف المزعوم قد قبل البعض إنشاءه والانخراط فيه، استناداً إلى فرز مذهبى بين سنة وشيعة فى عموم الإقليم، فلن يكون بعيداً أن تتواجه شعوب دول عربية مع شعوب دول أخرى فقط لأن لديها جزءاً من مواطنيها يدينون بالمذهب الشيعى، كما هو الحال فى لبنان والعراق وبعض دول الخليج كالبحرين والسعودية. إنها لمصيبة كبرى أن ينزلق بعض العرب إلى هذا المنزلق الخطير. ولعل التذكرة ببعض مبادئ السياسة المصرية تجاه الإقليم ككل تفيد فى هذا الصدد، وهو مبدأ الرفض لقيام أحلاف تتبع قوى خارجية، والرفض التام إذكاء النعرات الطائفية والمذهبية واعتبارها أساساً للعلاقات بين الشعوب والحكومات. وهو مبدأ يتصادم تماماً مع أى أفكار أمريكية كالتى يتم الترويج لها.

ونُذكر أيضاً باهتمام السياسة المصرية بتعزيز التعاون الأمنى والعسكرى بين الدول العربية على ذات الأسس المتضمنة فى ميثاق الأمم المتحدة، كالتعاون الجماعى والطوعى لمواجهة التهديدات التى تأتى من جانب قوى خارجية، وحق الدفاع عن النفس، وإيجاد الآليات الفعالة لمحاربة الإرهاب جماعياً ووفق إمكانات كل طرف يقبل هذا التعاون. وهى المبادئ التى بنيت عليها المبادرة المصرية بإنشاء قوة عربية مشتركة استناداً إلى اتفاقية الدفاع العربى المشترك وميثاق الجامعة العربية، والتى قُبلت بالإجماع فى القمة العربية فى شرم الشيخ مارس 2015، ثم قام وزراء الخارجية والدفاع العرب بوضع وثيقة بروتوكول تحدد كيفية إنشاء هذه القوة ومهامها والالتزامات التى ستقبل بها الأطراف التى ستشارك فى هذه القوة. غير أن المفاجأة الكبرى هى طلب بعض الدول فى أغسطس 2015 تأجيل البحث فى تحويل البروتوكول إلى واقع ملموس إلى أجل غير مسمى. وحتى اللحظة لا يوجد من يسعى إلى إحياء هذا البروتوكول العربى الصميم الذى يحمى مصالح تلك الأمة ويحول دون التعرض لها. وقد يذهب بنا الخيال إلى حد تصور أن تلك القوة قد أنشئت بالفعل فى نهاية 2015، وأنها تطورت من حيث التدريب وتخصيص المهام طوال السنوات الثلاث الماضية، فهل كانت إدارة «ترامب» أو غيرها تفكر فى طرح مشروعات براقة تستنزف الموارد العربية وتدمر ما بقى من علاقات سوية بين الكثير من الدول العربية وبعضها البعض؟

إن تكرار عرض الفكرة ذاتها حول تعاون عسكرى بين بعض العرب وبوصاية أمريكية كاملة، وأياً كان الاسم الجذاب الذى يُمنح لها على مدى عقدين أو أكثر، فإنه يعنى نتيجة واحدة، وهى أن الفكرة غير مقبولة أساساً لدى الدول المستهدفة، إذ لا يمكن تسويقها لدى الشعوب خاصة فى الدول العربية الكبرى التى تضطلع بمهام رئيسية فى أمن المنطقة العربية بوجه عام وأمن الخليج بوجه خاص. بعبارة أخرى هناك قدرة ذاتية على الرفض لدى هذه الدول شعوباً ومؤسسات لكل ما تدرك أنه يُلحق الأذى والمرارة لدى الشعوب العربية ويزيد من انقساماتها وخرابها. قدرة الرفض هذه حتى ولو جاءت فى صيغ هادئة ودون ضجيج إعلامى مفتعل تعنى أن هناك قادة فى المنطقة يدركون ما هو الصحيح وما هو الأصح، فى الوقت نفسه الحفاظ على حد أدنى من العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة سواء كان الحاكم جمهورياً أو ديمقراطياً. فمن الحكمة فى كل الأحوال أن تكون هناك اتصالات رصينة مع أى إدارة أمريكية مهما كان حجم الشطط الذى يحيط بقراراتها وسياساتها تجاه المنطقة العربية ومصالحها الرئيسية.

العامة فى العالم العربى يدركون أن مسألة دفع عدد من الدول العربية فى مواجهة عسكرية حضارية مذهبية كبرى مع إيران يحقق أهدافاً أمريكية وليست عربية، من قبيل زيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية، وإغراق الدول العربية بالديون والاستخفاف بسيادتها، وزيادة حدة الانقسامات بين الشعوب العربية وبعضها، ورفع القدرات الاستراتيجية لدولة إسرائيل فى مواجهة المحيط العربى الإسلامى. إنها أهداف واضحة تخص اليمين الأمريكى الصهيونى ولا تخص من قريب أو من بعيد أى هدف أو مصلحة عربية. وإذا كان العموم فى العالم العربى يدركون هذه الأمور فما بال قادة وطنيين يرون أن مهمتهم الرئيسية هى الحفاظ على كرامة وسيادة الوطن والإقليم، وأكبر قدر من حرية التصرف فى المجال الخارجى.

نقلًا عن الوطن

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ناتو عربى أم سنى كلاهما مرفوض ناتو عربى أم سنى كلاهما مرفوض



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon