توقيت القاهرة المحلي 06:03:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القاهرة والخرطوم.. التحدى والاستجابة

  مصر اليوم -

القاهرة والخرطوم التحدى والاستجابة

بقلم : د. حسن أبوطالب

فى موسوعة دراسة للتاريخ، التى ألفها المؤرخ البريطانى أرنولد توينبى انتهى إلى أن حركة المجتمعات والحضارات الكبرى تتلخص فى كلمتين وهما التحدى والاستجابة؛ الأولى تعنى التحولات الحضارية الكبرى، والثانية تعنى الأسلوب الذى تتعامل به الحضارات والمجتمعات مع تلك التحولات الكبرى. وهنا مربط الفرس كما يُقال، فاستنادا إلى هذه الاستجابة وأسلوب التكيف مع التحولات والقدرة على مواجهة الخطير منها والاستفادة من الإيجابى منها، يتحدد عمر الحضارة محل الدراسة. الفكرة من حيث المبدأ قابلة للتطبيق على حياة الأفراد وكل المجتمعات والدول القومية فى حالتها الراهنة. والشىء المؤكد أن مفهوم التحول لا يعنى إطلاقا عملية لها بداية محددة ونهاية معروفة مسبقا، بل هى تعبير عن حالة تغير دائم، سواء فى الكيفية أو فى المدى الزمنى أو فى طبيعة المادة نفسها. ومن ثم فإن التحدى بمعناه العام أمام الأفراد والدول والمجتمعات لا يتوقف، ومع مرور الزمن ففى كل لحظة هناك تحد وفى كل لحظة هناك أيضا استجابة، قد تأخذ أسلوبا حيويا أو مسارا ساكنا لا يفيد، ومن ثم يتغلب التحدى على صاحبه.

هذا الفهم العام للعلاقة بين التحولات وأسلوب الاستجابة يمكن تطبيقه على مصر والسودان فى ظل التغيرات الكبرى التى تحيط بهما. وكما هو واضح من زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى الخامسة للخرطوم، والأولى فى ولايته الرئاسية الثانية أن الاهتمام المصرى بحجم الترابط التاريخى والمجتمعى والمصلحى مع السودان يشكل حجر الزاوية فى سياستها الخارجية عربيا وإفريقيا سواء فى اللحظة الجارية أو ما يتعلق بالمستقبل القريب والمتوسط. وهو ما يقابله اهتمام مماثل من قبل الخرطوم. هذا الترابط المتعدد المستويات لا يُشكل معطى فعّالا فى حد ذاته إن لم يتم شحنه دائما بالجهد والتنسيق والتفاعل الإيجابى مع المجريات المحيطة، بل على العكس إن تم التعامل مع المعطيات التاريخية باعتبارها قادرة على الحفاظ على قوتها ومتانتها ودون متابعة ودون تنسيق ودون مراعاة للتحولات الإقليمية والداخلية فى كل بلد على حدة، تتلاشى تلك المعطيات وقد تتحول إلى قيود وإلى عقبات.

وقد شهدنا بالفعل فى لحظات تاريخية قريبة، وبفعل التغيرات التى شهدتها المنطقة ككل منذ 2011 كيف أن هناك من يستميت فى إثارة الغيوم، وتحويل المعطيات التاريخية بحلوها ومرها الى عقبات ونقاط ضعف بدلا من ان تكون نقاط قوة لمصلحة البلدين والمجتمعين. وبالرغم من ان بعض العقلاء فى كلا البلدين كانوا حريصين على جعل مجالات التشابك المجتمعى والسياسى والاقتصادى أكثر اتساعا ورحابة وفائدة لكلا الطرفين، من خلال مناقشة موضوعية لنقاط الخلاف الطبيعية التى تظهر بين حين وآخر، فقد ظهر بعض آخر كان ينحو إلى فك تلك الروابط وتحويل القضايا الفرعية إلى إشكاليات أساسية تؤدى بعلاقات البلدين إلى الصدام والتباعد. هؤلاء تأثروا أيضا بمحاولات قوى بعيدة سعت دائما إلى محاصرة المصالح المصرية. ولعل من أصعب اللحظات التى مر بها البلدان تلك التى شهدت ظهور اتهامات ذات طابع رسمى بأن مصر تعمل على إسقاط النظام الحاكم فى البلد الشقيق، وأن تعاونها الطبيعى مع إرتيريا هو مقدمة لغزو جزء من الأراضى السودانية من جهة الشرق. وفى الخلف من ذلك تباينات مهمة فى ملف سد النهضة الإثيوبى. ولكم تأثرت تلك الاتهامات بالتوتر الإريترى الإثيوبى آنذاك، وقبل المصالحة التاريخية بينهما التى يقودها حاليا زعيما البلدين أسياسى افورقى وآبى أحمد.

فى تلك اللحظات المرة أكدت القاهرة مبادئ سياستها التى لا تحيد عنها وهى عدم التدخل فى شئون الغير ولا تآمر على مصالح الأشقاء، ولا نزوع الى الحروب معهم أيا كانت الخلافات حول تلك القضية أو تلك. وهى التأكيدات التى حرص الرئيس السيسى على تكرارها أمام جماعة المثقفين وقادة الرأى السودانيين فى لقائه معهم فى الخرطوم.

إذا وضعنا أمامنا مفهوم التحدى والاستجابة المُشار إليه آنفا، يمكن تبين إلى أى مدى أن كلا البلدين بحاجة ماسة إلى مواصلة بناء علاقات أكثر تشابكا وأكثر رسوخا وأكثر قدرة على حماية مصالحهما المشتركة. فى السنوات الخمس الماضية تغيرت معطيات الإقليم تغيرا جذريا. البحر الاحمر لاسيما مدخله الجنوبى شهد تغيرات ضاغطة على أمن البلدين. لسنوات طويلة كان البحر الأحمر بعيدا نسبيا عن تدخلات الغير البعيد. كانت التدخلات تحدث لمواجهة أزمات طارئة ثم تتوارى وتختفى حتى حدوث أمر طارئ آخر وهكذا. الآن أصبحت التدخلات دائمة. حجم القواعد العسكرية الأجنبية وأعدادها تتزايد عاما بعد آخر. من يبنى قاعدة عسكرية يهدف إلى نزع جزء مهم من سلطة ومكانة الدول المشاطئة للبحر الأحمر، كما يهدف إلى تغيير التحالفات فى الإقليم ككل. تلك حقيقة لا يمكن تجاهلها. الرد على هذا النوع من التحدى يجب ألا يقل عن تحالف مضاد، أكثر شمولا من التعاون العسكرى. مصر والسودان لديهما كل مقدرات وامكانات بناء هذا التحالف الشامل المبنى على مبدأ تعميق المصالح المشتركة ومواجهة التحديات المحيطة. المهم هنا هو وضوح الرؤية وتفعيل تلك المقدرات وتنحية القضايا الفرعية جانبا لوقت آخر سوف تحل فيه من تلقاء نفسها.

فى السياق ذاته يبدو مهما توسيع مجال هذا التحالف ليصبح إقليميا وليبدأ مع الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر فى صوررة تنسيق أمنى رباعى يجمع بين مصر والسودان والسعودية والأردن، وفى مرحلة لاحقة وبعد أن تستقر أوضاع اليمن والصومال، يدخل البلدان رويدا رويدا فى هكذا تحالف بحر أحمر موسع، ولتنسيق مع إريتريا وأثيوبيا. فالتحديات الكبرى لا تواجهها إلا استجابات كبرى. الاقتصار على خطوات محدودة ققد يفيد مؤقتا، ولكنه لا يفيد على الدوام. ثمة تغير مهم وإيجابى، ويمثل أيضا تحديا حضاريا وتاريخيا كبيرا لكل من مصر والسودان، فتلك المصالحة الإثيوبية الإريترية، لا تقتصر نتائجها المنتظرة على علاقات البلدين وحسب. هذه المصالحة تحرر مصر والسودان من أى قيود أو اعتبارات مفترضة فى التعامل مع الطرف الآخر. يبدو لى أن البلدان الأربعة عليها ان تفكر فى صيغة تعاون تنموى جماعى، لاسيما أن الجميع لديه قلق كبير من هؤلاء الوافدين من بعيد ويريدون أن يحددوا لبلدان الإقليم ما يجب وما لا يجب.

نقلًا عن الاهرام القاهريه

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القاهرة والخرطوم التحدى والاستجابة القاهرة والخرطوم التحدى والاستجابة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - ترامب يوافق على خطة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon