توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل يفعلها الرئيس بايدن... دولة فلسطينية؟

  مصر اليوم -

هل يفعلها الرئيس بايدن دولة فلسطينية

بقلم - حسن أبوطالب

الحروب الكبيرة مفتاح التحولات الكبيرة. ما يجري في قطاع غزة وجبهات أخرى خارجه، يُعد بشكل أو بأخر مثالاً على حرب كبيرة، بين دولة إقليمية مدعومة من القوة الكبرى في النظام الدولي وحلفاء كثيرين، في مواجهة منظمات مسلحة تؤمن بالحق المطلق في مقاومة الاحتلال. وعلى الرغم من فارق القوة بين أطراف معادلة الصراع، فالحرب ولمدة أكثر من 110 أيام متواصلة تجعلها حرباً كبيرة، لا بد أن تفضي إلى تغيرات كبرى. والمعضلة تكمن في تحديد اتجاه هذه التغيرات، وإلى أي مدى ستؤدي إلى شرق أوسط جديد في تفاعلاته وفي مساراته.

طوال أيام الحرب والعدوان الإسرائيلي، وعلى الرغم من الضغوط الآتية من اتجاهات مختلفة لوقف إطلاق النار، وإتاحة الفرصة لمعالجة إشكاليات تبادل الأسرى وبدء مرحلة جديدة في غزة من حيث تأمين متطلبات الحياة للأهالي وطبيعة الإدارة الجديدة والإعمار، وما قد يليها من عملية سياسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ما زالت الولايات المتحدة تؤمن بأن الوقت لم يَحنْ بعد لوقف إطلاق نار كامل، لكنها لأسباب مختلفة، منها ما هو داخلي يؤثر في مسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومنها ما هو دولي وإقليمي لا سيما مظاهر التوسع في الصراع التي تنذر بانفجارات غير محسوبة، بدأت تتحدث عن عملية شاملة تؤدي إلى تغيرات كبرى، تمزج بين حل الدولتين كما يشترط العرب، وبين أمن الدولة العبرية من جانب واندماجها في المحيطين العربي والشرق أوسطي عبر منهجية تطبيع محددة من جانب آخر.

المحادثة الهاتفية بين الرئيس بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي قبل أربعة أيام، والتي لخّصها الرئيس الأميركي في جملة ذات دلالة مفادها أن حل الدولتين في ظل وجود نتنياهو ليس مستحيلاً، مضيفاً بأن هناك أنماطاً من الدول ليس لديها جيوش، ومن قبل حديث بلينكن في «دافوس» حول أهمية حل الدولتين لأمن إسرائيل، ما يوحي، وإن لم يكن الأمر موثوقاً تماماً، بأن البيت الأبيض نجح في تغيير قناعة رئيس وزراء إسرائيل الرافض تلك الفكرة مبدئياً، بقبول حل الدولتين، إحداهما تملك كل مقومات القوة العسكرية، وأخرى لا تملك منها شيئاً، وبالتالي يتحقق امن إسرائيل الموعود، والذي يتجذر أكثر وأكثر وفق المؤشرات الأميركية الجديدة نسبياً، من خلال دمجها إقليمياً عبر عملية تطبيع كبرى مع الدول العربية، وليس بالضرورة أن تشمل الجميع، بل يكفي رموز عربية ذات وزن سياسي ومعنوي كبير ومؤثر، يفتح الباب أمام عملية موسعة لإعمار غزة، بمشاركة عربية وأوروبية، دون مسؤولية على من تسبّب في دمار القطاع وتخريبه ومأساة أهله.

والمؤكد هنا أن الرئيس بايدن يواجه إشكاليات كبرى، لا سيما توجهات الأجيال الشابة الجامعية الغاضبة، والتي تفضح يومياً الانتهاكات الإسرائيلية وتغوص في مأساة أهل غزة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك في نطاق حزبه الديمقراطي الرافض سياسة الدعم غير المشروط لإسرائيل، وكلا السببين دفعا الرئيس بايدن للتركيز على معادلة جديدة قديمة، تتضمن تقديم إسرائيل بعض التنازلات بشأن الدولة الفلسطينية، نظير الاندماج في الإقليم. ومن ثم احتواء تداعيات أي قرارات قد تصدر عن محكمة العدل الدولية ضد دولة إسرائيل، أو المحكمة الجنائية الدولية مستقبلاً ضد قيادات الحرب الإسرائيلية.

تحولات البيت الأبيض جاءت متدرجة، بدأت بالضغط لتغيير «التكتيكات» الحربية الإسرائيلية التي تؤدي إلى قتل المدنيين بعشوائية مفرطة، قادت إلى التفكير في الخروج من أزمة غزة بتحقيق أهداف أبعد من مجرد القضاء على «حماس» ومثيلاتها، وبناء حالة جيو - سياسية مختلفة عما كان عليه الإقليم قبل الحرب، وتُعيد بناء معادلات جديدة تحقق أمن إسرائيل، وتحتوي أسباب الامتناع الإقليمي ولو جزئياً عن قبولها كدولة شأن غيرها في الإقليم.

الرهان الأميركي الأكبر هو التطبيع غير المقيد، ولو بتدرج قائم على فرضية سياسية شديدة الاضطراب، مفادها أن جائزة التطبيع سوف تحاصر اليمين الإسرائيلي، وسوف تدفع رموز الاعتدال إلى البروز مرة أخرى؛ مما يضعف أي معارضة لحل الدولتين. ونقطة الضعف الرئيسية هنا تكمن في أن المجتمع الإسرائيلي بات يمينياً للنخاع، شديد الميل إلى العنف ضد كل ما هو فلسطيني، مُحملاً بأوهام القوة التي لا تقهر، عاجزاً عن إدراك الكارثة الإنسانية التي وصل إليها قطاع غزة، وغارقاً في حالة انفصام شخصية بين امتلاك قوة عسكرية جبارة لم تردع حركة مقاومة مسلحة محدودة العدد والتسليح، ولم تسقط بعد كل الضربات التي وجّهت إليها، مُشبعاً برغبة غير مسبوقة في الانتقام بلا حدود لتجاوز حالة العجز عن تحقيق الأهداف المُعلنة. فضلاً عن الغياب الكامل لأي صوت عقلاني مؤثر ينادي بمراجعة أسباب العجز رغم القوة، وغالباً إن وجد فلن يجد سوى حفنة محدودة قد تتجاوب معه وتقدّر ما ينادي به.

هذه الحالة غير المسبوقة في الميل إلى العنف نخبة ومجتمعاً، لم تكن لتصل إلى هذه الدرجة المَرضية الجماعية إلا نتيجة الموقفين الأميركي والأوروبي، سياسياً ودعائياً وإعلامياً وتأييد ما وصُف بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس، وإعطائها صك البراءة مسبقاً من كل الانتهاكات التي تحدث في القطاع بشراً وحجراً، والتجاهل التام لكل مفردات حقوق الإنسان، والدفاع غير المبرر عن استمرار العدوان ورفض وقف إطلاق النار، بحجة أنه قد يفيد «حماس» وحسب، وتجاهل الأبعاد الإنسانية الأخرى للشعب الفلسطيني، وهي كلها عوامل أسهمت في تصاعد درجة العنف والانتقام في السلوك الإسرائيلي في غزة وفي الضفة معاً. ولا ننسَ مناهج التعليم الإسرائيلية التي تولّد العنصرية ورفض الآخر الفلسطيني في نفوس الإسرائيليين منذ الصغر، ويتجاهلها الغرب تماماً.

حالة المجتمع الإسرائيلي في حاجة ماسة إلى ما يشبه الثورة السلوكية والقيمية، والانقلاب على حالة هوس الانتقام دون رادع، إلى حالة رشادة وعقلانية سياسية تؤمن بأن الحق في الأمن هو لكل الأطراف وفي المقدمة الفلسطينيون، وتلك بدورها في حاجة إلى وقت وجهد إن لم تمنحه الولايات المتحدة حقه في الاهتمام وفق استراتيجية تغيير السلوك القومي، كالتي اتبعتها في حالتي ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، فمن المتعذر أن نرى طموح البيت الأبيض في دولة فلسطينية إلى جانب الكيان العبري ماثلاً أمام الأعين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يفعلها الرئيس بايدن دولة فلسطينية هل يفعلها الرئيس بايدن دولة فلسطينية



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟

GMT 23:31 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

توقيف سيدة تُدير شبكة دعارة داخل شقة سكنية في السويس

GMT 18:19 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«المركزي» يعلن مواعيد عمل البنوك في رمضان 2021

GMT 12:03 2021 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

قمة نارية بين برشلونة وإشبيلية في نصف نهائي الكأس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon