توقيت القاهرة المحلي 05:04:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

روسيا ترد على الجحود الإسرائيلى.. ولكن!

  مصر اليوم -

روسيا ترد على الجحود الإسرائيلى ولكن

بقلم : د. حسن أبوطالب

إسرائيل كعادتها لا تعترف بالجميل ولا تشكر من يقدمه، بل تعمل دائماً على استفزازه وابتزازه حتى الرمق الأخير. لا يهمها سوى مصلحتها الآنية، شعورها بالقوة والتفوق مضافاً إليهما الغرور والحماية المطلقة من أى عقاب يدفعان دائماً إلى المغامرة حتى الحد الأقصى. هذه الخصائص ليست جديدة على إسرائيل وقادتها من اليمين المتعصب. شهادتنا نحن العرب على السلوك الإسرائيلى تبدو مجروحة فى أعين الكثيرين الذين يرون أنها شهادة تنطلق من منطلق صراعى ووجودى فى آن واحد. لكن كيف يكون الرأى حين تأتى هذه الشهادة موثقة ومدعمة بالأدلة اليقينية من قوة عظمى قدمت الكثير من الخدمات الجليلة لإسرائيل ولأمنها، ثم حصلت على جزاء سنمار؟

أتحدث هنا عن الموقف الروسى الجديد تجاه إسرائيل بعد أن تسببت تصرفات طياريها فى إسقاط طائرة عسكرية روسية وعلى متنها 15 ضابطاً كانوا فى مهمة للمراقبة الدورية شرق سوريا بحراً. فى تصريحات المسئولين الروس، كوزير الدفاع والمتحدث الرسمى باسم الوزارة وباسم الكرملين، وبعد أن تحققوا بما فيه الكفاية عن الذى حصل ولماذا حصل يوم 17 سبتمبر الحالى، نلاحظ حديثاً يخلو من الدبلوماسية والمجاملات وتعمد الحفاظ على المشاعر الإسرائيلية كما كان فى السابق، نلاحظ أيضاً عبارات حادة لم تستخدم من قبل فى وصف التصرفات الإسرائيلية، من قبيل أنها تصرفات استفزازية وعدائية، وأن سلوك طياريها يوم الحادثة يدل على عدم المهنية أو على الأقل الاستهتار الإجرامى، وأنه بمثابة رد جاحد على خدمات روسيا، وانتهاك مباشر للاتفاقات الروسية - الإسرائيلية الموقّعة عام 2015 للحيلولة دون وقوع حوادث تصادم غير مرغوبة فى سوريا.

مثل هذه الأوصاف الحادة شديدة الخشونة لم يقل بها أى مسئول روسى من قبل، وحين تُقال بهذه الحدة، فهى تعبر عن غضب شديد وشعور بالخديعة، إذ لم تقم إسرائيل بإشعار الجانب الروسى، وفقاً للتفاهمات الموقعة، بنية تنفيذ ضربة جوية فى الأجواء السورية إلا قبلها بدقيقة واحدة فقط بل فى وقت بداية الهجوم نفسه، كما أن الإشعار الإسرائيلى، حسب الرواية الروسية، تضمن خديعة مؤكدة بأن ذكر أن موقع الهجوم فى شمال سوريا وإذا به يحدث غرباً بالقرب من اللاذقية حيث القاعدة الروسية «حميميم»، وبما يهدد مباشرة أمن الجنود الروس. التصريحات الروسية الحادة ترسل أيضاً رسالتين مهمتين؛ الأولى للرأى العام الداخلى الذى يريد أن يطمئن على سلامة أبنائه الجنود العاملين فى سوريا، والثانية لإسرائيل ذاتها ومفادها ببساطة أن عليها الاستعداد لمرحلة جديدة وأن تنسى التفاهمات الماضية، وعليها أن تتكيف مع واقع عسكرى جديد. وكلتا الرسالتين تعنيان سوريا أيضاً وشعبها وجنودها ونظامها. فأى تغير فى العلاقة الروسية الإسرائيلية حول سوريا، خاصة ما يتعلق بحرية عمل الطائرات الإسرائيلية فى الأجواء السورية، يضيف الكثير من الإيجابيات بالنسبة لحرية الحركة للجيش السورى ليس فقط فى المناطق الجنوبية القريبة من الجولان المحتل، بل فى وسط سوريا وشرقها وغربها.

فى بيان حجم الجحود الإسرائيلى للخدمات الجليلة التى قدمها الروس هناك أربعة أمور مهمة؛ أولها إبعاد المجموعات الإيرانية الحليفة لسوريا بأسلحتها وعتادها عن الجولان المحتل بمائة وأربعين كم، وبما يحول عملياً دون تهديد الاحتلال الإسرائيلى بأى شكل كان. والثانى السماح للطائرات الإسرائيلية، وفق تفاهمات وترتيبات عسكرية خاصة، بالإغارة على أى منشآت سورية بزعم أنها تحتوى على أسلحة إيرانية متفوقة قد تتجه إلى «حزب الله» فى لبنان، وفى ذلك أيضاً مزيد من تأمين إسرائيل، وثالثاً العودة إلى تفاهمات 1974 بين سوريا وإسرائيل الخاصة بالوضع فى الجولان المحتل، بل قيام روسيا بتسيير دوريات عسكرية على خط الحدود الفاصل لضمان ثبات الأوضاع التى ترضى إسرائيل. الأمر الرابع لا يقل أهمية عن كل ذلك، ويتعلق بوقف إمداد سوريا بنظام دفاع جوى متطور كانت روسيا بالفعل على وشك تسليمه متمثلاً فى نظام إس 300 الذى يبلغ مداه 250 إلى 300 كم، وقادر على إطلاق عدة صواريخ لأهداف معادية متعددة فى آن واحد. هذه الخطوة كانت فى الحقيقة دعوة مفتوحة للطائرات الإسرائيلية للتحليق فى الأجواء السورية دون أى قيد أو شرط، والإغارة على أية أهداف تحددها هى حتى دون التنسيق مع روسيا.

فى خضم هذه الأزمة وبإيعاز من الرئيس بوتين، حسب قول وزير الدفاع الروسى، سيتم تزويد الجيش السورى بنظام إس 300 فى غضون أسبوعين، أى العودة إلى ما قبل عام 2015، وغلق الأجواء السورية من جهة شرق المتوسط والتشويش على أى عمليات جوية معادية سواء بالطائرات أو الصواريخ التى تطلق من البحر. المحصلة ببساطة هى تغيير قواعد اللعبة أمام إسرائيل. إذا تمت هذه الإجراءات دون قيود فلن تستطيع الطائرات أو الصواريخ الإسرائيلية أو الأمريكية أو الفرنسية أن تصل إلى أهدافها فى العمق السورى. المنطقة بأسرها ستخضع للضوابط الروسية ولرقابة نظم الدفاع الجوى الروسى. بالتالى ستتوافر حماية كافية للقوات السورية ولحلفائها على أراضيها. جوهر الأمر هنا متعلق بما تعتبره روسيا مصالحها العليا فى سوريا، ويلخصها أمران مترابطان؛ الأول تقديم أكبر حماية ممكنة للجنود الروس ومنع أى حادثة متعمدة من إسرائيل أو غيرها للإضرار بالجنود والمنشآت الروسية. والثانى توفير حماية أكبر للنظام والحكومة السورية، والتى يُعد استقرارها ونجاحها فى التخلص من بقايا الجماعات الإرهابية فى إدلب وفى غيرها هدفاً استراتيجياً لروسيا فى هذه المرحلة الحساسة من عمر الأزمة السورية يكمل حماية جنودها.

الأمر على النحو السابق يتطلب إصراراً روسياً فى مواجهة الضغوط الإسرائيلية والأمريكية معاً، والتى ستحاول الالتفاف على هذه الإجراءات الروسية والعودة مرة أخرى إلى تفاهمات الأجواء المفتوحة دون عقاب. حكومة «نتنياهو» تعمل على احتواء الغضبة الروسية، وترجح العودة مرة أخرى إلى التفاهمات السابقة بعد أسبوع أو أسبوعين. من غير المستبعد أن تقوم الطائرات الإسرائيلية بمغامرة جديدة لضرب أهداف فى العمق السورى قبل أن يتم نشر منظومة صواريخ إس 300، كنوع من اختبار النوايا الروسية وإجراءاتها الجديدة. «ليبرمان»، وزير الدفاع الإسرائيلى، أشار إلى أنهم سيتعاملون مع الأمر بحذر ولكنهم لن يتنازلوا عن ضرب ما يرونه أهدافاً معادية فى سوريا، وكأن «ليبرمان» يتحدى الرئيس بوتين. ولكن السؤال الذى لم يجب عليه «ليبرمان» كيف سيكون تحركه إذا أسقطت الدفاعات الروسية طائرة إسرائيلية أو أكثر فى حال حدوث مثل هذه المغامرة المجنونة؟

نقلًا عن الوطن

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا ترد على الجحود الإسرائيلى ولكن روسيا ترد على الجحود الإسرائيلى ولكن



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - ترامب يوافق على خطة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon