بقلم : د. حسن أبوطالب
فى أسبوع واحد شهدت مصر والأردن عمليتين إرهابيتين مختلفتين فى الحدة وفى عدد الضحايا من المدنيين والعناصر الإرهابية ورجال الأمن. والأهم الاختلاف فى الدلالات سواء ما يتعلق بالأداء الأمنى أو المعالجة الإعلامية أو فى تقييم حالة المواجهة مع الجماعات الإرهابية، ولعل أبرز الاختلافات تكمن فى أن الخلايا الإرهابية فى كل من مصر والأردن تعملان كل بأولويات مختلفة على الأقل فى هذه اللحظة الزمنية، ففى الأردن تبدو أولوية الإرهاب فى مواجهة رجال الأمن، الذين وقع منهم عدد كبير من الشهداء بداية من تفجير كمين الفحيص ومروراً بتفجير المنزل فى مدينة السلط، الذى تحصن فيه الإرهابيون أثناء قيام قوات الأمن بمداهمته، وفى العمليتين استشهد وأصيب أكثر من 36 من رجال الأمن والمدنيين، أما فى مصر فتبدو أولوية الإرهابيين هى إرباك المجتمع ككل من خلال استهداف إحدى الكنائس بواسطة أحد الانتحاريين الذى لم يستطع الاقتراب من كنيسة العذراء فى مسطرد شمال القاهرة نظراً للإجراءات الأمنية المشددة، ومن ثم قام بتفجير نفسه أعلى أحد الجسور بعيداً عن محيط الكنيسة.
أولوية استهداف رجال الأمن، كما هو الحال فى الأردن، حسب الواقعة الأخيرة، لا يعنى أن الإرهابيين يفرقون بين رجال الأمن والمدنيين، فالنتيجة الأخيرة واحدة وهى إرباك المجتمع ككل ودفعه نحو اللايقين تجاه نظام الحكم، ومعروف أن جماعات الإرهاب فى مصر منذ السبعينات فى القرن الماضى كانت تبدأ معاركها دائماً مع رجال الأمن، متصورة أن إنهاك هذه الأجهزة والتجرؤ عليها يساعدها على إنجاز مهمتها فى السيطرة والتحكم فى المجتمع ككل ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية، وحتى وقت قريب وتحديداً ما بعد إسقاط حكم الإخوان كان استهداف رجال الأمن أو أفراد منهم فى غير أوقات الخدمة يمثل منهجاً لجماعات إرهابية إخوانية، كنوع من الانتقام من الدور الذى قامت به أجهزة الأمن فى ضمان أمن المصريين أثناء ثورتهم على حكم الجماعة، وكنوع من توجيه الرسائل بأن يد الجماعة من خلال أذرعها الإرهابية كـ«حسم» و«لواء الثورة» وغيرهما قادرة على إثبات الوجود وعلى توجيه رسالة للمصريين جميعاً بأنهم سيدفعون ثمن ثورتهم، وهى رسائل ثبتت ميوعتها ورخاوتها أمنياً وسياسياً، وفى مثل هذه الحالات الفاشلة يعيد الإرهابيون تقدير مواقفهم ومن ثم يلجأون إلى ما يعرف بالأهداف السهلة كدور العبادة، التى يمكن من خلال النجاح فى الهجوم على إحداها أن تعيد القلق العام مرة أخرى إلى واجهة الأحداث، وأن تثير القلق فى مدى كفاءة الأجهزة الأمنية، فضلاً عن التأثير سلباً على توجهات الاستثمار الخارجى.
الحالة الأردنية تتشابه فى بعض العناصر مع الحالة المصرية، وتختلف فى البعض الآخر، والقاسم المشترك يبرز فى أن كل المنطقة تعيش ما يعرف بإرهاب ما بعد سقوط داعش فى العراق وسوريا، وكما كان هناك عائدون من أفغانستان فى مطلع التسعينات من القرن الماضى بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، وكانوا متأثرين بفكر تنظيم القاعدة ومنظمات الجهاد الأفغانى التى أنشأتها ودربتها الولايات المتحدة، فالآن نشهد ظاهرة «العائدون من سوريا والعراق» والمتأثرين بفكر داعش والقاعدة معاً، فضلاً عن محفزات كبرى من الدول التى كانت راعية لهم كتركيا وقطر والولايات المتحدة ذاتها، وإذا كانت واشنطن قد انقلبت على هؤلاء جزئياً فى ظل سياسة ترامب الجديدة والغامضة معاً، فما زالت تركيا وقطر تمثلان الملاذ والرعاة الأكبر لعناصر داعش والقاعدة وما يعرف بجيش سوريا الحر وكافة الجماعات الإرهابية التى ترفع أسماء دينية وأتت عناصرها من كافة بلدان العالم تقريباً، وتتجمع غالبية أفرادها الآن فى إدلب السورية.
الأردن ليس استثناء، فبحكم موقعه الجغرافى وعلاقته بالولايات المتحدة وفى تنظيم وتدريب بعض الجماعات المسلحة التى واجهت الجيش السورى النظامى فى مرحلة ما قبل إنشاء مناطق خفض التوتر، ثم المصالحات فى بعض تلك المناطق واستعادة الحكومة السورية الشرعية السيطرة القانونية والفعلية والأمنية على تلك المناطق، ومن بينها منطقة الجنوب السورى التى كان يخضع مسلحوها لإدارة ما يعرف بغرفة العمليات الدولية المشتركة «موك» ومقرها عمان برئاسة الولايات المتحدة، وتضم بريطانيا وفرنسا ودولاً عربية خليجية والأردن، بهدف ما وصف بأنه دعم الجماعات السورية المعارضة المعتدلة وفق ضوابط معينة أبرزها عدم الاقتراب من الحدود الإسرائيلية، والالتزام بخطط الهجوم التى تعدها تلك القيادة المشتركة، وليس سراً أن كثيراً من هذه الجماعات المسلحة يعتنقون فكراً قريباً من فكر «داعش» والقاعدة حتى ولو أعلنوا غير ذلك، ويؤمنون بشعار أسلمة الدولة والمجتمع، ووفقاً لما أكده وزير الداخلية الأردنى ومسئولون أمنيون آخرون فى المؤتمر الصحفى الاثنين الماضى لشرح ملابسات عملية السلط، فإن الخلية الإرهابية التى قتل أفرادها هم أردنيون يؤمنون بالفكر الداعشى، وليسوا تنظيماً كبيراً وليس لهم امتدادات، وأن حجم المتفجرات الذى تم اكتشافه كان «مرعباً»، والوصف الأخير لحجم المتفجرات يدل على أن الخلية ليست منفردة، وغالباً يعرف الأمن الأردنى الكثير عن بعض تلك العناصر الإرهابية الداعشية بحكم الاحتكاكات السابقة، والمرجح أن تشهد الأيام المقبلة الكثير عن تلك الخلايا التى غالباً ما ستكون أجزاء من تنظيم وليس مجرد خلايا عشوائية.
ومن المهم هنا أن نشير إلى أن دارسى الحركات الإرهابية والمنظمات العنيفة يتفقون على عنصرين متكاملين؛ أولهما أن تلك الحركات العنيفة لا تموت تماماً بالضربة القاضية، وإنما تظل لها ارتدادات تظهر بين الحين والآخر، وثانيهما أن الدول والمجتمعات التى تتصور أنها قادرة على احتواء خطر تلك المنظمات العنيفة والمتطرفة من خلال إيواء قيادات التنظيم وتوفير ملاذات آمنة لهم وتوفير الدعم لهم سراً أو جهراً، فسيأتى يوم وتتغير فيه تلك العلاقة ويصب المتطرفون نار غضبهم على من ساندهم سابقاً، وهناك استنتاجات أخرى باتت شائعة فى تحليل الدورة الحياتية للمنظمات المتطرفة، كبروز ما يعرف بظاهرة الذئاب المنفردة أو العنف العشوائى الفردى غير المرتبط بالتنظيم الأم ويكون مدفوعاً بدوافع الانتقام وقلة الاحتراف فيما يقوم به، وكثيراً ما يتم القبض عليه قبل قيامه بعمله العنيف، أو تكون عمليته الإرهابية محدوده نسبة لمحدودية الاحتراف فى المهمة، بيد أن البُعدين سابق الإشارة إليهما يُعدان الأبرز، وهما بدورها يساعدان على فهم ما الذى جرى فى الأردن وأيضاً ما الذى يجب أن يحدث للقضاء على تلك الظاهرة البغيضة.
نقلًا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع