توقيت القاهرة المحلي 02:46:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قمة عربية إسلامية استثنائية... وما بعدها

  مصر اليوم -

قمة عربية إسلامية استثنائية وما بعدها

بقلم - حسن أبوطالب

 

تشكل قرارات قمة الرياض العربية الإسلامية بشأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لحظة استثنائية يجب التوقف عندها كثيراً. هي المرة الأولى التي يجتمع فيها قادة 57 دولة عربية وإسلامية، يتدارسون ويتفقون على رؤية واحدة تجاه إحدى أهم القضايا التي تُشِغل الرأي العام العربي والإسلامي، كما تُشِغل قطاعات كبيرة وشريفة المقصد في العديد من الدول الأوربية والولايات المتحدة، بالرغم من مواقف حكومات تلك الدول المنحازة للبطش والداعمة له. الاستثناء في القمة وفي قراراتها يجسد الأبعاد المتداخلة للقضية الفلسطينية، دينياً وقومياً وإنسانياً من جانب، وهو ما يشغل الحيز الأكبر من اهتمامات العالمين العربي والإسلامي. ومن جانب آخر، ما يشكله العدوان الإسرائيلي الهمجي على الأبرياء صغاراً وكباراً في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة من تهديد خطير للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط ككل والعالم من خلفه. بعبارة أخرى فالقمة ليست معنية بهمّ عربي إسلامي وحسب، بل بجملة من المبادئ والقناعات السامية والمصالح العليا التي تهم وتصلح العالم بأسره، وترفع من معدلات أمنه واستقراره.

القرارات تعبر عن رؤية جماعية مرتبطة بعدد من التحركات على الأرض سياسية وإنسانية وإعلامية، تتحدى كل ما تصبو إليه نخبة الحرب الإسرائيلية وداعموها الدوليون، من فرض أمر واقع ينهي القضية الفلسطينية ويهجر أهلها قسراً، ويقتل أجيالها الشابة عمداً، ويعيد الاحتلال الإسرائيلي بشكل سافر إلى قطاع غزة بذرائع أمنية واهية. إن رسالة القمة العربية الإسلامية، وتأكيدها على ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي وتصفية تداعياته اللاإنسانية فوراً، والبدء مباشرة في مسار سياسي يُفضي إلى دولتين تتعايشان وفق القواعد الدولية المعمول بها بين الدول، كما يحددها ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدول بشكل عام، من شأنها أن تضبط إيقاع التحرك المستقبلي عربياً وإسلامياً من دون أي مزايدات من أحد، فالإجماع تحقق حول مركزية القضية الفلسطينية ولا تنازل عنها، وتوافق حول مسار سياسي برعاية دولية، يُنشئ دولة فلسطينية وفق القرارات الدولية والمبادرة العربية، وتحقيق مبدأ الأمن المتكافئ، فلا أمن لإسرائيل من دون أمن الشعب الفلسطيني وسيادته على أرضه المحررة، الأمر الذي يشكل بيئة إقليمية بامتداد العالمين العربي والإسلامي ضاغطة على الدول الكبرى، وفي المقدمة الولايات المتحدة والرئيس بايدن تحديداً، لكي تتخذ القرارات الصعبة، التي تحول ما يدعيه البيت الأبيض من قبول وتمسك بمبدأ حل الدولتين إلى عملية سياسية موثوقة قابلة للتحول إلى واقع عملي، تحقق مصالح متوازنة لكل الأطراف، ويضع الإقليم ككل أمام مرحلة تنافسية سلمية، وليست صراعية انتقامية همجية تعادي كل التراث الإنساني، كالذي تستهدفها إسرائيل وتُصر عليها ولا تنكرها، بل تعدُّها المصير الوحيد لبقائها ووجودها.

تتجلى الاستثنائية ليس فقط في التوصيف الصريح لما تقوم به إسرائيل كسلطة احتلال انتهكت كل القوانين والمعاهدات الدولية المتعلقة بالحرب وحقوق الإنسان، ومارست جرائم حرب تستحق العقاب، بل أيضاً في تحديد المسؤولية المشتركة لهذه الجرائم مع الداعمين لها، الذين قدموا وما زالوا يقدمون السلاح للجيش الإسرائيلي، مما يجعلهم شركاء في الفعل وفي الجريمة. هذا الوضوح في التوصيف قد يدفع هؤلاء الداعمين لنوع من المراجعة، وإعادة تقييم ما أقدموا عليه، والتوقف عنه، والتجاوب مع الأصوات التي بدأت ترتفع بقوة وصخب غير معتاد في داخل مجتمعاتهم، تدين تلك المواقف اللاإنسانية. ولا يقف الأمر عند حد التوصيف، بل امتد إلى فعل وتحرك، عبر تحميل المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وتقديم سبل الإغاثة للمُعتدى عليهم، مسؤولياتهم ولا يتغاضون عن الأفعال الرهيبة للاحتلال الإسرائيلي، ليس فقط بالإدانة، وهي مهمة لا شك، بل في ممارسة أقوى الضغوط الممكنة لوقف العدوان ومحاسبة فاعليه، والتخلي عن اعتبارات المجاملة والخضوع للابتزاز الإسرائيلي الصهيوني.

يمتد تحميل المسؤولية إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، للبدء بتحقيق فوري في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. ومن الأهمية بمكان تشكيل وحدة رصد قانونية متخصصة مشتركة بين الأمانتين العامتين في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، توثق كل الجرائم المرتكبة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في قطاع غزة والضفة الغربية، ولا يوجد ما يحول دون تنفيذ هذا القرار على أكمل وجه، فالخبراء الأكفاء كُثر عربياً وإسلامياً، والمواد المرئية حول عمليات القتل العمد وقصف أهداف مدنية والمستشفيات، واعترافات المسؤولين الإسرائيليين مدنيين وعسكريين منتشرة في الفضاء السيبراني، بل هي مجال تباهِ وفخر، مما يعكس العقيدة التي تنطلق منها نخبة الحرب الإسرائيلية، ومن ورائها رأي عام يناصر ويدعم تلك الأفعال المنافية للفطرة الإنسانية السليمة. فثمة 57 في المائة من الإسرائيليين يرون أن جيشهم يستخدم قوة نارية قليلة جداً في قطاع غزة، بينما يرى 1.7 في المائة فقط أن الجيش يستخدم قوة أكثر من اللازم، وفقاً لاستطلاع رأي أجرته جامعة تل أبيب يوم 10 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أي بعد شهر وعدة أيام من بدء العدوان الإسرائيلي، في حين انخفض تأييد حل الدولتين إلى 28 في المائة بعد أن سجل سابقاً نسبة 37 في المائة.

إن تعديل مثل هذه التصورات الإسرائيلية الخاطئة السائدة في المجتمع الإسرائيلي، والمستندة إلى انجراف شديد نحو التطرف والعنف غير المسبوق ضد الفلسطينيين، يعد أمراً مهماً، ويتطلب أسلوباً خاصاً للمواجهة، يراعي التأثير القوي للفضاء المعلوماتي، ومن هنا، فإن قرار بناء منصة رقمية توثق الانتهاكات الإسرائيلية، تشرف عليها الأمانتان العامتان للجامعة العربية والتعاون الإسلامي، وبمشاركة كل الجهات الفاعلة إنسانياً الرافضة للانتهاكات الإسرائيلية، يمثل نقلة في الأداء العربي الإسلامي لمواجهة الصلف الإسرائيلي، وفضحه على أكبر مستوى ممكن عبر العالم. فصورة إسرائيل كدولة مظلومة مُحاطة بالأعداء من كل مكان لم تعد صورة مقبولة عالمياً. توطيد وترسيخ صورة الدولة المعتدية لدى الرأي العام ولدى الأجيال الشابة في الغرب وفي غيره من المجتمعات التي تنال معلوماتها وإدراكاتها من وسائل التواصل الاجتماعي، سيمثل نقلة كبرى لدعم الحقوق الفلسطينية المشروعة. الصور الموثقة من غزة ومن الضفة الغربية أبلغ رد على ادعاءات المظلومية. والمهم أن تتحول تلك القرارات وغيرها إلى حركة عملية مؤثرة، فأهل فلسطين لم يعد لديهم ترف الانتظار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قمة عربية إسلامية استثنائية وما بعدها قمة عربية إسلامية استثنائية وما بعدها



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon