بقلم : د. حسن أبوطالب
الصواريخ التى أطلقتها جماعة الحوثيين باتجاه العاصمة السعودية الرياض ونجران وجازان وخميس مشيط فجر الاثنين الماضى ليست الأولى والمرجح أن لا تكون الأخيرة، جديد هذه المرة أنها جاءت فى صورة إطلاق سبعة صواريخ ذات مديات متعددة فى اتجاه سبعة أهداف غالبيتها مطارات فى آن واحد، وبذلك وصل عدد الصواريخ التى أطلقت على الأراضى السعودية إلى 102 صاروخ منذ صيف العام الماضى، تم إسقاطها جميعاً بواسطة صواريخ باتريوت، واقتصرت آثارها المادية على وقوع حطام الصواريخ بعد تفجيرها فى الجو على بعض المناطق المأهولة، أما نتائجها السياسية فترتبط أساساً بالهدف من وراء إطلاقها وفى أى لحظة زمنية وملابسات تلك اللحظة، ففى كل عملية إطلاق صاروخ أو أكثر على أهداف سعودية يتحدث الحوثيون عن أمرين متكاملين، الأول أن تلك الصواريخ هى صناعة يمنية 100 بالمائة، وكأن اليمن لديه من المعامل الإلكترونية والمختبرات ومصانع السلاح والكوادر البشرية والأقسام العلمية فى الجامعات اليمنية ما يتيح له صنع هذا العدد الكبير من الطرازات ذات المسافات المختلفة والقدرات التدميرية المتباينة، فى ظل حالة حصار وضعف الموارد وفقر مالى وبما يعكس معجزة لا تستطيع أن تفعلها دول أخرى ذات أوضاع وظروف أفضل بمئات المرات من الأوضاع القائمة فى اليمن، ومن هذه الطرازات الصاروخية التى تتباهى بها المصادر الحوثية منظومات الصرخة وزلزال 1 و2 و3، وقاهر غم وقاهر 2 وبركان وباب المندب وغيرها، وأن بعضها يتميز بالدقة فى إصابة الأهداف، وبعضها تصل سرعته إلى 4.5 ماخ، كما هو الحال لمنظومة صواريخ بدر التى أطلقت على مطار الملك خالد فى محيط العاصمة الرياض، ويلاحظ هنا أن كل هذه المنظومات ذات أسماء إيرانية متداولة أو شبيهة بها، وبما يؤكد أن الأمر لا علاقة له بصناعة محلية يمنية لا من قريب أو بعيد، ومن التقارير المتداولة أنه يتم تهريب تلك الصواريخ فى صورة قطع مجزأة عن طريق البحر، وأن كوادر إيرانية تقوم بتركيبها على الأراضى اليمنية ومن ثم تستخدم وفقاً لما يتم تهريبه ويتم تجميعه وفى التوقيت الذى يرسل رسالة ذات مغزى سياسى أو معنوى، وهنا نشير إلى الأمر الثانى وهو أن تلك الصواريخ يراد من ورائها إثبات أن الحوثيين باتوا قادرين على تغيير معادلات القوة العسكرية لصالحهم، وهو ما يسمونه بتوازن الرعب، بعد أن كان الهدف الأول دفاعياً بحتاً، وبالتالى فإن على التحالف العربى أن يراعى ذلك بالنسبة لأى تسويات سياسية ممكنة مستقبلاً، ليس باعتبار الحوثيين مجرد ميليشيا مسلحة انقلبت على السلطة الشرعية، بل باعتبارهم سلطة فعلية تدير العاصمة ومناطق يمنية أخرى، ولديها جيش قادر على الردع وفقاً للدعاية الحوثية، مثل هذه الملابسات تجعل عملية الإطلاق الصاروخية المتعددة ذات مغزى أكبر من مجرد إيذاء المملكة العربية السعودية باعتبارها قائدة التحالف العربى المؤيد لحكومة الرئيس الشرعى هادى منصور، أو بهدف الإعلان عن قدرات صاروخية يمكنها أن تؤثر فى تعديل ميزان القوى العسكرى الذى يميل بقوة لصالح التحالف العربى والحكومة الشرعية، فتوقيت إطلاقها بعد يوم واحد من زيارة المبعوث الأممى الجديد مارتن جريفيث إلى العاصمة صنعاء ولقائه مع قيادات حوثية وقيادات المؤتمر الشعبى الموجودة فى العاصمة، التى لا حول لها ولا قوة على صعيد الفعل السياسى فى صنعاء أو فى غيرها من المناطق، يجعل مغزاها ذا صلة مباشرة بمهمة المبعوث الأممى، وما قد عبر عنه من ضرورة إحياء عملية تسوية سياسية وأن تتحمل الأطراف تنازلات عميقة، وأن تتم وفقاً للمرجعيات الثلاث وهى المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطنى والقرار الأممى 2216 الصادر فى العام 2015، وهى المرجعيات التى ترفضها جماعة الحوثيين رفضاً باتاً، ووفقاً لصالح الصماد، الذى يرأس ما يعرف بالمجلس السياسى فى صنعاء، والمفترض أنه يقود المناطق التى يسيطر عليها الحوثيون وحلفاؤهم، فإن الرسالة الأساسية من وراء إطلاق هذه الصواريخ هى أن توقف قوى التحالف غاراتها مقابل أن يوقف الحوثيون إطلاق الصواريخ، معتبراً أنها رسالة سلام يجب أن يتبعها التفاهم على كل القضايا، وبذلك يطرح الحوثيون شكلاً جديداً للمفاوضات يعنى بالتوصل إلى تفاهمات يرون أنها يجب أن تعكس واقعاً عسكرياً فيه قدر من التعادل وبعيداً عن أى قرارات دولية أو تفاهمات إقليمية سابقة، وبهذا المعنى فإن على المبعوث الأممى الجديد أن يتخلى عن أى محاولة لتطبيق القرار 2216، الذى يطالب الحوثيين بتسليم السلاح إلى الحكومة الشرعية والخروج من المدن التى يتحصنون بها، مقابل المشاركة فى أى صيغة حكم يتفق عليها وفقاً لمخرجات الحوار الوطنى، مع إمكانية إجراء بعض تعديلات جزئية على تلك المخرجات.
المغزى الآخر لا يقل أهمية، ويتعلق بأن الحوثيين يقدرون رغبة المجتمع الدولى فى إنهاء الحرب اليمنية والحفاظ على ما بقى من بنية أساسية ضعيفة أصلاً، باعتباره فرصة لهم فى فرض شروطهم، فإن لم تقبل هذه الشروط فمن الأفضل لهم أن يتم وقف القتال بدعوى مراعاة الأبعاد الإنسانية، خاصة أن الوضع القتالى على الأرض، لا سيما فى محيط تعز وفى اتجاه ميناء الحديدة، يشهد تغيرات ميدانية معاكسة لهم وتصب فى صالح القوات الشرعية، وذلك منذ ديسمبر الماضى حين تم اغتيال الرئيس الأسبق على صالح وما تبعه من انفراط عقد التحالف العسكرى مع القوات العسكرية التى كانت تتبع الرئيس صالح المغدور، واتجاه كثير منها للعمل تحت مظلة الشرعية والتحالف العربى.
بيد أن التفاعلات الإقليمية لا توفر فرصاً كبرى للحوثيين لفرض رؤيتهم كاملة أو الجزء الأكبر منها، فالمرجح أن تتحول السياسة الأمريكية المُهادنة فى اليمن إلى سياسة نشطة فى مواجهة الحوثيين كامتداد للتغيرات المرتقبة والمرجحة بعد تولى جون بولتون منصب مستشار الأمن القومى للرئيس ترامب، والمعروف عنه موقفه المؤيد للتعامل مع إيران وامتداداتها الإقليمية بقوة أكبر، والمؤيد لسياسة الرئيس ترامب بإلغاء الاتفاق الخاص بالبرنامج النووى الإيرانى أو تغييره جذرياً، وبما يجعل إيران تحت ضغط دولى أكبر، وهى السياسة التى من شأنها أن تجعل الولايات المتحدة أكثر ميلاً لدعم التحالف الذى تقوده السعودية لحسم الحرب اليمنية عسكرياً ومنع إيران من أن تحقق أى مكاسب من استمرار الحوثيين كقوة تمرد مناهضة للمصالح الأمريكية ومصالح حلفائها، وفى مقدمتهم السعودية والإمارات، كما هو الحال لحزب الله اللبنانى.
نقلاً عن الوطن القاهرية