توقيت القاهرة المحلي 05:04:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سلام الفقراء فى جنوب السودان

  مصر اليوم -

سلام الفقراء فى جنوب السودان

بقلم : د. حسن أبوطالب

قبل يوم واحد من توقيع الاتفاق الخاص بقسمة السلطة بين حكومة جنوب السودان برئاسة سلفا كير والمعارضة المسلحة برئاسة رياك مشار، تعهد الرئيس سلفا بالتوقيع لان الاتفاق لم يفرضه أحد، ويراعى تجربة اتفاق عام 2015، كما تعهد تطبيق بنوده أيا كانت تحفظات بعض أطراف المعارضة التى ارتأت عدم التوقيع، فى إشارة إلى أن الحكومة السودانية التى تولت هذا الجانب من المفاوضات لم تمارس أى ضغط على أى طرف ليقبل بالمقترحات الخاصة بتقاسم السلطة. وفى السياق ذاته، لخص وزير الخارجية السودانى الدرديرى محمد احمد الدور الوساطى الذى أشرف عليه بأن بلاده لا تملك الضغط على أى طرف سواء الحكومة فى الجنوب أو المعارضة كما يفعل مجلس الأمن والأمم المتحدة التى تلوح بالعقوبات، منوها الى أن الجميع فقراء يتشاركون الفقر ذاته الشائع فى افريقيا، مضيفا أن هناك حالة زهد من المجتمع الدولى تجاه السلام فى الجنوب السودانى. ويلخص التصريحان حالة المفاوضات التى سعت اليها مجموعة دول الايجاد لإنهاء الحرب فى جنوب السودان، أحدث الدول الافريقية واكثرها فقرا، وكيف أن المفاوضات التى تستند إلى تكافؤ الأطراف، والوساطة الحيادية يمكنها ان تقدم حلولا مقبولة من تلك التى ترتبط بضغوط اقتصادية او سياسية، ولعل التطبيق والالتزام على الأرض يثبت تلك الفرضية.

بهذا المعنى اننا أمام صيغة يمكن وصفها بـ «سلام الفقراء»، حيث الجميع يتشاركون فى الحالة نفسها. أما من حيث المضمون فمثل هذا السلام لا يجد ما يجسده فى اتفاق تقاسم السلطة الذى قبلت به حكومة جنوب السودان وحركة المعارضة المسلحة بزعامة رياك مشار، وتحفظت عليه فصائل أخرى منها تحالف المعارضة والمعتقلون السابقون، بل على العكس من ذلك فإن اتفاق تقاسم السلطة يتضمن أعباء أكبر مما تتحمله الحالة الاقتصادية لجنوب السودان، إذ يشتمل البرلمان على 550 نائبا، و35 وزيرا و10 نواب وزراء، إضافة الى استمرار تقسيم الولايات الى 32 ولاية، بدلا من عشر ولايات وفقا للتقسيم القديم. على ان تحصل حكومة جنوب السودان على نسبة 55 فى المائة والمعارضة المسلحة بقيادة مشار نسبة 25 فى المائة، وتوزيع نسبة 20 فى المائة على باقى الفصائل المعارضة. والتأمل فى هذه الارقام يعنى ببساطة أن تقاسم السلطة هو نوع من توزيع رموز السلطة التشريعية او التنفيذية على اكبر عدد ممكن من ممثلى الحكومة والمعارضة، فى صيغة تعنى استيعاب الرموز السياسية حكومية اومعارضة فى صلب الجهاز الحكومى التنفيذى والتشريعى دون النظر الى التكلفة الباهظة لمثل هذه الصيغة، ودون النظر أيضا الى غياب الموارد التى تكفل تطبيق هذه الصيغة بصورة تؤدى الى تحقيق أهدافها. وهو التحفظ الرئيسى الذى تصر عليه قوى تحالف المعارضة، والذى يطالب بحكومة أصغر عددا وتوفير الأموال من اجل التنمية وتوفير الخدمات، مع التركيز على ترسيخ العدالة الانتقالية، ومعالجة الشروخ المجتمعية الناتجة عن المواجهات العسكرية فى السنوات الخمس الماضية. معروف ان تقاسم السلطة او الشق السياسى لا يعنى نهاية المفاوضات والوصول إلى حل شامل، وهو الشعار الذى تطرحه مجموعة دول «الإيجاد». بل هناك جولات اخرى فى الانتظار سوف تشرف عليها كينيا، وتتعلق بترسيم الولايات وتقاسم السلطة فى المحليات وإعادة هيكلة بعض المؤسسات واقتسام الثروة وادارة الاقتصاد والمحاسبة والقضاء. وهى قضايا جوهرية وحساسة للغاية، فى الوقت الذى لم يوقع على اتفاق تقاسم السلطة إلا طرفان فقط. أما التطبيق فسيظل معلقا إلى حين التوصل الى حلول وتفاهمات لباقى البنود. وكان الطرفان الرئيسيان، وهما حكومة الجنوب والمعارضة المسلحة قد وقعا اتفاقا إطاريا فى الخرطوم 28 يونيو الماضى شمل وقفا لإطلاق النار يبدأ تنفيذه بعد 72 ساعة، وتشكيل حكومة انتقالية لمدة ثلاث سنوات تُجرى بعدها انتخابات عامة، ويتم بموجبه بناء جيش قومى بعيد عن القبلية، وجمع الأسلحة من المواطنين، والاتفاق من حيث المبدأ على تطبيق إجراءات لحماية وقف إطلاق النار، وأن يصبح الجيش وأجهزة الأمن قومية وبعيدة عن التقاسم القبيلى، والافراج عن الاسرى والمعتقلين.

لا أحد ضد إشاعة السلام فى جنوب السودان، فهذا مطلب سودانى واقليمى بامتياز، شرط أن يتم وفقا لمفاهيم بناء الدولة على أسس المواطنة والمساواة ومكافحة الفساد وبناء المؤسسات على أسس قومية ووطنية، وهى اسس تبدوغائبة إلى حد كبير فى اتفاق تقاسم السلطة ، والذى لا يزيد على عملية توزيع مناصب، فى الوقت ذاته تظل القضايا الرئيسية قائمة وعلى رأسها سطوة النفوذ القبلى وهو السبب المباشر وراء المواجهات التى حدثت فى السنوات الخمس الماضة بين الحكومة والمعارضة المسلحة، وترتب عليها مقتل أكثر من عشرة آلاف نسمة من كلا الطرفين وتشريد نحو مليونى طفل وتبديد كم هائل من الموارد التى هى شحيحة اصلا فى حرب لا طائل منها مهما امتد بها الزمن. وإذا كان أسلوب توزيع المناصب يساعد نسبيا على إشاعة صورة من صور المشاركة فى الحكم بين المنتمين إلى الأصول القبلية والمناطقية المختلفة والمتنافسة، فإن الإفراط فيه يؤدى إلى إثارة مشكلات عملية وتطبيقية قد تؤدى الى فشل التجربة ذاتها، ولعل الاجدر هنا ان يتم تقليص عدد الوزراء ونوابهم وعدد نواب البرلمان وبما يناسب عدد السكان الذى يدور حول رقم 13 مليون نسمة وحسب.

وإذا كان من المبكر الحكم على اتفاق تقاسم السلطة فى انتظار التوصل الى اتفاقات أخرى حول ترسيم الولايات واعدادها وحجم المشاركة التى ستمنح لقوى المعارضة المسلحة او غير المسلحة، وكيفية تطبيق الاتفاق الامنى وإعادة هيكلة مؤسسات الجيش والشرطة، فإن استمرار مبدأ التقاسم العددى من شأنه أن يجعل السلام فى الجنوب السودانى هشا، ولا يقود الى التغييرات الرئيسية المطلوبة. وإذا كان الفقر فى الموارد سمة لا تعيب أصحابها، فإن تجاهل تأثيراته والابتعاد عن الأساليب الصحيحة لمواجهته، خاصة إطلاق الطاقات البشرية والتنمية الشاملة باعتبارها حقا لكل مواطن لا منازعة فيه ولا تخصيص له حسب الأهواء والانتماءات القبلية، من شأنه أن يعيد إنتاج المشكلات ذاتها والمواجهات ذاتها والتضحيات ذاتها، وهو ما يجب وضعه فى الحسبان.

نقلًا عن الاهرام القاهرية 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سلام الفقراء فى جنوب السودان سلام الفقراء فى جنوب السودان



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - ترامب يوافق على خطة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon