توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حروب لا تنتهى فى الشمال السورى

  مصر اليوم -

حروب لا تنتهى فى الشمال السورى

بقلم : د. حسن أبوطالب

قد تدخل قوات عراقية إلى عمق الأراضى السورية، لملء فراغ القوات الأمريكية، التى أعلن الرئيس ترامب سحبها فى غضون 60 إلى مائة يوم، وقد تنتقل هذه القوات إلى مرافقها الموجودة فى العراق، حسب الاتفاقات مع الحكومة العراقية. فى الوقت ذاته سوف تترك مهمة القضاء على بقايا «داعش» للجيش التركى، الذى يستعد لدخول شمال شرق سوريا بعد تنسيق الانسحاب الأمريكى ليتم ببطء وبدقة، حسب تغريدات الرئيس ترامب، الذى أكد فيها قوله إن سوريا باتت لأردوغان، فى حين أن هدف تركيا المعلن رئاسياً ليس مواجهة بقايا «داعش»، وإنما سحق والقضاء على قوات سوريا الديمقراطية باعتبارها مجموعة إرهابية وذات صلات مع حزب العمال الكردستانى التركى، فى حين أن قوات «قسد» تتشكل من غالبية كردية، وبعض العرب، وكان لها، وما زال، دور كبير فى مواجهة داعش طوال السنوات الأربع الماضية، بدعم أمريكى تسليحاً وتدريباً، وتعتبر نفسها قوة أساسية لحماية الأكراد فى الشمال السورى، وليس مواجهة تركيا أو تصدير الإرهاب لها، كما يزعم الرئيس أردوغان.

الموقف السورى الرسمى يتراوح بين ثلاثة متغيرات، الأول إعلامى يعتبر قرار الرئيس ترامب بمثابة انتصار لسوريا، دون أن يقدم الدليل المناسب، مع شماتة فى الأكراد السوريين الذين استكانوا للدعم الأمريكى والعمالة له، حسب بعض التعليقات، فكان أن لفظهم «ترامب» بدون رحمة، ووضعهم أمام مواجهة الجيش التركى مباشرة، وبدون أدنى ضمانات، فى الوقت ذاته يتم استبعاد التنسيق مع «قسد» لمواجهة المد التركى، لأنهم عملاء أمريكيون. وثانياً: موقف رسمى يتسم بالترقب والانتظار، ترقب نتائج الانسحاب الأمريكى على الأرض، وانتظار ما الذى سيفعله الآخرون، لا سيما تركيا وجيشها المستعد للاستيلاء على مزيد من الأراضى السورية، ووراءه خطط جاهزة لتتريك ما يقع تحت يديه من مدن وأراضٍ وسكان. وثالثاً: سحب بعض القوات من الجنوب السورى وتوجيهها إلى الشمال الشرقى، ولكن بدون ضجة أو إعلانات صريحة، وغالباً هناك تحركات للقوات الحليفة الإيرانية أو اللبنانية تستعد للتوجه إلى مناطق قريبة من تلك التى تنسحب منها القوات الأمريكية.

والمصادفة الزمنية فقط هى التى تجعل الحكومة السورية تشعر بقدر من انتشاء المنتصرين، رغم وجود ما يقرب من ثلث الأراضى السورية خارجة عن السيادة الفعلية لها، وذلك بسبب التقارب مع بعض عواصم عربية قررت إعادة فتح سفاراتها فى دمشق، ولكن لم يتحدد الموعد بعد، وبصفة خاصة الأردن حيث الاتصالات آخذة فى التطور لتعيد العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه قبل سبع سنوات، حسب تصريحات العاهل الأردنى عبدالله، فضلاً عن تقارير صحفية عربية تحدثت عن جهد تونسى جزائرى مشترك يسعى إلى عودة سوريا إلى الجامعة العربية تفتتحها مشاركة للرئيس الأسد فى القمة العربية المقبلة، وهو ما نفته أمانة الجامعة العربية رسمياً، لكن يظل للموقف التونسى الجزائرى دلالة إيجابية بالنسبة لدمشق تغطى جزئياً على ما يجرى فى الشمال السورى.

روسيا بدورها صاحبة الوجود العسكرى القوى فى سوريا تنظر إلى قرار الانسحاب باعتباره خطوة إيجابية من حيث المبدأ، على الأقل لأنه سيترك الساحة السورية مقسمة بين اثنين من حلفائها، إيران من جانب، وتركيا من جانب آخر. وتتفق موسكو مع ما قاله «ترامب» من أنه تم هزيمة «داعش»، فى حين أن هناك العديد من الجيوب التى يسيطر عليها التنظيم فى الأراضى السورية، كما أن مسلحيه ما زالوا قادرين على توجيه ضربات قاسية لكل من الجيش السورى وقوات «قسد»، التى فقدت 600 عنصر فى مواجهات جرت خلال الأسبوعين الماضيين فقط، وما زالت عناصر التنظيم، التى توصف بالذئاب المنفردة والخلايا النائمة تنتظر إشارة للقيام بهجمات هناك. ومن غير المستبعد أن تجهز نفسها للامتداد فى بعض مناطق الشمال السورى.

القرار الأمريكى وجد تقييمات سلبية من عدد من عواصم البلدان الأساسية فى التحالف الدولى الذى فقد أهميته بقرار الانسحاب المنفرد، وأبرزها بريطانيا وألمانيا وفرنسا. ورغم ما أعلنته واشنطن من أنها سوف تستمر فى ضرب بقايا التنظيم جواً إذا استدعى الأمر ذلك، فإن فاعلية تلك الضربات ستظل مشكوكاً فيها. ومن غير المستبعد أن تنسحب دول أخرى من هذا التحالف ككندا وأستراليا وغيرهما، وبما سينهى تماماً هذا التحالف ويجعله أثراً بعد عين. ولذا تجد فرنسا نفسها فى مأزق حقيقى، والسؤال الذى يتردد على ألسنة المعلقين الفرنسيين: هل يمكن لفرنسا أن تكون بديلاً للقوات الأمريكية، وهل لديها القدرة على الوقوف أمام الجيش التركى إذا قرر «أردوغان» أن يسيطر تماماً على كامل الشمال السورى، وهل لها أن تقدم حماية مناسبة ودعماً معقولاً لقوات سوريا الديمقراطية، وكثير من الأسئلة الشائكة والتى تجد جميعها إجابات تصب فى محدودية القدرة الفرنسية، وربما أقصى ما يمكن أن تقوم به باريس أن تحاول وساطة بين أكراد سوريا وبين أنقرة، وغالباً ستكون وساطة فاشلة حتى قبل أن تبدأ.

فى ظل هذه البيئة التى تشهد تغييرات درامية بين لحظة وأخرى، يبدو الأكراد بمثابة الخاسر الأكبر، وليست لديهم بدائل كبرى سوى الاتصال بوساطة روسية مع الحكومة السورية، وهو ما قد تقبله دمشق، ولكن بشروط قاسية، وإما التحول إلى حرب عصابات مع الجيش التركى وعملائه من مسلحى ما يعرف بالجيش السورى الحر والمنظمات العميلة لأنقرة، وهو ما سيحول الشمال السورى إلى ساحة حرب مفتوحة لا نهاية لها، وسيدفع الأكراد سواء كانوا مسلحين أو مواطنين عاديين ثمناً كبيراً لها. وسيؤدى انشغال «قسد» لتأمين حركتها المستقبلية إلى إفساح مجال أكبر لنشاط عناصر داعش. ومعروف أن لدى «قسد» ما يقرب من 500 عنصر من «داعش» أسرى، ولن يكون مستبعداً أن تفرج عن بعضهم، أو تسمح لهم بالهروب، أو أن تفكر قيادة «داعش الخفية» بعملية عسكرية تستغل فيها حالة الاضطراب واللايقين لدى «قسد» لتحرير قسم من أسراها، وبما يحقق لها نصراً معنوياً وعسكرياً مشهوداً.

تطورات الشمال السورى على هذا النحو تشكل بيئة مناسبة لمزيد من المواجهات العسكرية التى لا سقف لها. هناك العديد من المشاهد المتصوّرة حول مواجهات عسكرية بين كل الأطراف تقريباً، ولكن الشىء المؤكد أن شمال سوريا سيكون كالمائدة التى يتداعى عليها اللئام، كل منهم ينال حصته، حسب قدرته، وحسب حجم تنسيقه مع الولايات المتحدة، والخاسر الأكبر هو وحدة التراب السورى، وغياب السيادة عن ثلث البلاد لأجل غير معروف.

نقلا عن الوطن

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حروب لا تنتهى فى الشمال السورى حروب لا تنتهى فى الشمال السورى



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon