بقلم : د. حسن أبوطالب
فى حوار الرئيس عبدالفتاح السيسى مع صحيفة الشاهد الكويتية أثار تساؤلا مهما، يتعلق بمصير 36 ألف إرهابى فى سوريا جاءوا من جميع دول العالم فإلى أين سيذهبون بعد انتهاء الحرب فى سوريا؟، ومشيرا الى احتمال استغلال هؤلاء أو بعضهم من قبل جهات دولية تسعى الى دمار المنطقة.
ويطرح هذا التساؤل إشكالية كبرى حول المرحلة المقبلة لمواجهة الإرهاب وتنظيماته المنتشرة فى عدد من الدول، وبما يعنى أن الظاهرة الإرهابية ورغم ما تعرضت له من انتكاسات وهزائم كبرى فى السنوات القليلة الماضية سواء فى مصر أو سوريا أو فى ليبيا أو فى العراق، فهى لم تنته بعد، كل ما هنالك أن حدود الظاهرة الإرهابية تقلصت من حيث المساحة الجغرافية، ولكنها تظل موجودة بكل ما تحمله من تشوش فكرى وعقيدى وسلوكى وتنظيمي، وذلك على مستوى أقل جغرافيا ونفوذا وتأثيرا. فالانحسار لا يعنى بالضرورة الهزيمة الكاملة، فهناك أجيال وعناصر تدربت واندمجت إرهابيا، جزء منها يقتل أو يقع بين الحين والآخر فى أيدى السلطات الرسمية فى هذا البلد أو ذاك، وجزء آخر استطاع الهرب أو الاختفاء الى حين، أو وجد الملاذ الآمن فى دول ما زالت ترعى الإرهاب وتغطيه سياسيا وتمويليا وتخطيطيا ودعائيا. وما دامت تلك الدول لم تغير عقيدتها الإرهابية فستظل المواجهة قائمة ومستمرة.
إن احتمال اختفاء 36 ألف إرهابى لبعض الوقت إو إعادة تدويرهم إلى مناطق أخرى يظل إشكالية كبرى بالنسبة للدول التى اكتوت بناره، فالقلق من أى يتحول بعض هؤلاء إلى ساحات جديدة أو ساحات كانت تقليدية بالنسبة للإرهابيين هو أمر مشروع ويتطلب اليقظة التامة، كما أن احتمال قيام عناصر إرهابية منفردة اومجموعات صغيرة للقيام بعمل انتقامى يُعد احتمالا كبيرا قياسا على سوابق معروفة، الأمر الذى يتطلب المزيد من التعاون مع الدول والسلطات التى ما زالت فى دائرة المواجهة العنيفة أو التى بدأت فى التعافى النسبى من شروره. فما دامت المعركة واحدة، فالتعاون الصادق هو الطريق الوحيد لتحقيق الهزيمة الأكبر لمن تبقى من الإرهابيين وتنظمياتهم العنيفة.
وبالرغم من أن دول الاتحاد الأوربى تعد الأقل معاناة من الإرهاب مقارنة بما حدث فى بعض البلدان العربية، فقد شكلت فيما بينها آليات لتبادل المعلومات وتبنت مجتمعة إستراتيجية جماعية استباقية، لاحتواء تبعات انحسار الإرهاب فى مواقعه التى ساد فيها فى العقد المنصرم. والفكرة الرئيسة فى هذا التعاون الأوروبى تستند إلى فرضية أن بعض الإرهابيين قد يلجأون إلى المجتمعات الأوروبية، وبعض الحوادث الماضية أثبتت ذلك، ومن ثم فإن العمل الجماعى من شأنه أن يقلل من فرص التعرض لهجمات ارهابية فى المستقبل. والعالم العربي، أو على الاقل بعض دوله التى ما زالت تتابع المواجهة بكل أشكالها ومستوياتها هى الأجدر أن تفعل الأمر نفسه بدون تأخير.
مصر طالما نادت بأن يكون هناك مواجهة جماعية عربية للإرهاب، للأسف بعض الدول لم تتحمس للمبدأ، وجود فروع جماعة الإخوان فى هذه الدول، وبعضها فى قمة السلطة يحول دون أن تستجيب لمثل هذه الدعوة، بل إن بعضها يشارك فى دعم الجماعات الإرهابية وبما يطيل من عمر هذه الظاهرة المقيتة. البديل العملى هو التعاون المحدود سواء ثنائيا أو ثلاثيا أو رباعيا فى أفضل الأحوال.
نموذج التعاون المصرى الليبى لاسيما مع الجيش الوطنى ومع مسئولى شرق ليبيا يعد مثالا ليس فقط لتوافق الرؤية وتبادل المعلومات بل فى تنسيق التحركات على الأرض. القناعة المشتركة بين الجانبين واحدة فى تفاصيلها وفى توجهاتها الأساسية. يمكن تلخيصها فى عبارة واحدة، وهى أنه لا هوادة فى القضاء على كل ما يتعلق بالظاهرة الإرهابية، ولا مكان صغيرا أو كبيرا لمن يتعاون مع تلك المنظمات والجماعات الإرهابية، وانطلاقا من هذه القناعة المشتركة والراسخة، تتوقع مصر أن تتسلم قريبا جدا الإرهابى هشام العشماوى الضابط السابق فى الجيش المصرى وحراسه الشخصيين بهاء على وصفوت زيدان وغيرهم، والذين انزلقوا إلى هاوية الخيانة والإرهاب وشكلوا خطرا داهما على كل من مصر وليبيا. وقوع الرجل فى أيدى الجيش الوطنى الليبى يمثل انتصارا كبيرا، ومقدمة لانتصارات أكبر على ما تبقى من الإرهابيين على الأراضى الليبية ومن قد يكون مختبئا أو مختفيا او هاربا فى مكان ما فى مصر المحروسة.
سيرة هذا الإرهابى وانتقاله من تنظيم إرهابى إلى آخر، من داعش إلى القاعدة وتأسيسه جماعات وتنظيمات فرعية تابعة لأحد هذيْن المشروعيْن الارهابييْن وتنسيقه مع جماعة الاخوان الإرهابية فى مصر وليبيا وفى بلدان شمال إفريقيا وقطر وتركيا يكشف عن حقيقة لا جدال فيها، أنه مهما تنوعت الأسماء والشعارات والمسميات، فالجميع ينتمى إلى مشروع إرهابى واحد. تنوع الأسماء والشعارات الإرهابية وإن عكس صراعا شخصيا بين فروع وقيادات إرهابية لبعض الوقت، لكنه لا يخفى حقيقة الهدف الواحد الذى يتجمعون عليه، وهو خراب الدول والمجتمعات والاستعداد للانقضاض عليها بزعم أنهم يحملون مشروعا إيمانيا يتعلق بتطيق شريعة الله سبحانه وتعالي، والإسلام منهم براء.
سيأتى العشماوى قريبا جدا الى مصر، بعد أن تنتهى السلطات الليبية من التحقيق معه فيما قام به لإرهاب ليبيا والليبيين، سيأتى حاملا معه أخطر الأسرار وخريطة عمل الجماعات الإرهابية فى عموم المنطقة، وانتشار أعضائها، وسيكشف عن حجم التدخلات لدول بعينها ما زالت تسعى إلى الخراب والدمار فى بلداننا. سيكون التحقيق معه نقطة بداية لتصفية بقايا إرهابية فى مصر وفى ليبيا وغالبا فى بلدان أخرى مثل تشاد وتونس والجزائر وسوريا.
وهى الدول التى كانت تُعد مجال أعماله الإرهابية عبر انتقاله من داعش وتنظيم انصار القدس والمرابطون الى اسسه فى ليبيا وتحول ولائه أخيراً إلى القاعدة، وارتباطاته مع جماعات إرهابية فى شمال تشاد وجنوب ليبيا. نقطة البداية هذه فى مرحلة جديدة للقضاء على بقايا الإرهاب، تتطلب توسيع دائرة التنسيق مع الدول المستهدفة. أتصور أن تنسيقا مصريا ليبيا مع كل من سوريا والعراق وتونس والجزائر فى هذه المرحلة يُعد ضروريا، ليس لمصر وليبيا فقط، بل لتلك الدول نفسها التى لم تصل بعد إلى مرحلة العافية من الإرهاب وبقاياه.
نقلا عن الاهرام
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع