توقيت القاهرة المحلي 02:56:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماذا بعد فشل الصفقة الأفغانية؟

  مصر اليوم -

ماذا بعد فشل الصفقة الأفغانية

بقلم: حسن أبوطالب

بغض النظر عن الطريقة التى ألغى بها الرئيس ترامب لقاء وصفه بالسرى مع ممثلين لحركة طالبان فى واشنطن، تظل الدلالة الكبرى وهى أن الوضع الأفغانى ليس مستعداً لسلام شكلى تُمحى فيه تغيرات اجتماعية وسياسية مهمة مقابل عودة إمارة أفغانستان الإسلامية بقيادة طالبان.

أيضاً أن الولايات المتحدة ليست مستعدة للخروج الكامل من أفغانستان، التى وصفها تقرير لجنة الكونجرس الأمريكى عن هجمات 11 سبتمبر الصادر مطلع 2004 بأنها خط رئيسى من خطوط حماية الأمن القومى الأمريكى، وزاد بأن أى تصرف فى كابول له وقعه وتأثيره المباشر على السياسة والمصالح الأمريكية. وبشكل أو بآخر يمكن اعتبار هذا التوصيف بمثابة إدراك عميق لكل مؤسسات الأمن القومى الأمريكى، لا سيما الاستخبارات والبنتاجون، وأيضاً لدى جون بولتون، مستشار الأمن القومى للرئيس ترامب.

المفاوضات الأمريكية مع طالبان التى استمرت لمدة عام، والتى اعتبرها الرئيس ترامب بأنها ضرورية للحد من الإنفاق المالى غير الضرورى ولجلب سلام يمنع سقوط ضحايا من الجنود الأمريكيين كما وعد ناخبيه من قبل، لم تكن مفاوضات موثوقاً بها من حيث إمكانية تحقيق هذين الهدفين تحديداً، وكانت مُحاطة بأكثر من عنصر للفشل، أبرزها أنها كانت ثنائية أمريكية/طالبانية، فى حين أن صنع السلام فى أفغانستان يتطلب مشاركة كل الأطراف الفاعلة فى معادلة السلطة والسلام فى البلاد، ولذا كان استبعاد حكومة كابول برئاسة أشرف غنى عن تفاصيل المفاوضات والمشاركة فيها بمثابة اعتراف مسبق بعدم إمكانية صنع تسوية سلمية شاملة، وهو ما حاول زلماى خليل زاده المفاوض الأمريكى علاجه بأن يربط انسحاب خمسة آلاف جندى أمريكى فى غضون 153 يوماً بثلاثة شروط، من بينها بدء مفاوضات بين طالبان وحكومة غنى، وأن تقبل طالبان بدور أمريكى لجنودها الباقين فى حدود ثمانية آلاف جندى لمحاربة التنظيمات الإرهابية وأبرزها «داعش» و«القاعدة»، وأن تقدم طالبان ضمانات لعدم التعرض للمصالح الأمريكية.

الشروط التى وضعها المفاوض الأمريكى لم تكن مقبولة من مفاوضى طالبان، وتم التحايل عليها بإصرار طالبان على أن لا مفاوضات مع حكومة غنى إلا بعد الانسحاب الأمريكى الكامل، وهو ما تضمن رفضاً مؤكداً لبقاء أى جندى أمريكى فى ظل عودة طالبان إلى الحكم، والأمران أكدا أن طالبان لن تفاوض حكومة غنى، كما أنها اشترطت ألا تجرى الانتخابات الرئاسية المقررة فى 28 سبتمبر الحالى، وهدفها نزع أى شرعية، وفقاً للدستور الأفغانى، عن غنى وحكومته، وبالتالى يصبح عدم التفاوض معه لاحقاً أمراً طبيعياً.

جاء ضعف المفاوض الأمريكى واضحاً منذ البداية حين لم يُصر على وقف عمليات طالبان الإرهابية بحق المواطنين الأفغان وبحق المسئولين وقوات الأمن الأفغانية ما دامت هناك مفاوضات من أجل سلام وتسوية شاملة، وحين استمر المفاوض الأمريكى فى جولاته التفاوضية فى ظل عنف طالبان، بدا للمفاوض الطالبانى أن الولايات المتحدة سوف تتعجل الانسحاب وأنها لا يعنيها بقاء حكومة غنى أو رحيلها غير مأسوف عليها، وأن الهم الأكبر لواشنطن هو خفض النفقات والرحيل وترك أفغانستان تحت سيطرة طالبان وحدها، وقد أغرى هذا الإدراك المُلا عبدالغنى برادر رئيس ما يعرف بالدائرة السياسية فى طالبان ورئيس وفد المفاوضات على أن يصر فى الوثيقة التى تم التوصل إليها مبدئياً بأن تكون وثيقة بين إمارة أفغانستان الإسلامية والحكومة الأمريكية، ويمثلها وزير الخارجية بومبيو، وهى النقطة التى أثارت الخارجية الأمريكية وبومبيو شخصياً حسب الإعلام الأمريكى، وكانت وراء رفض الوثيقة، والمبرر الرئيسى الذى استند إليه فى وقف المفاوضات حتى قبل أن يعلن ذلك الرئيس ترامب بسبب وقوع أحد الجنود الأمريكيين ضحية لعنف طالبان فى عملية تمت فى كابول يوم الخميس الماضى.

طبيعة المفاوضات وطريقة سيرها واستبعاد أطراف رئيسية منها، ولهفة الرئيس ترامب على الانسحاب، وضعف الوثيقة المبدئية التى تم التوصل إليها، وغياب ضمانات حقيقية بأن تقبل طالبان دوراً جديداً لها فى الحياة السياسية الأفغانية كشريك وليس المسيطر الأوحد، وعدم وضوح مستقبل بعثة الأمم المتحدة لمساندة أفغانستان، كلها أسباب معروفة ودفعت إلى الفشل دفعاً لا رد له.

يبدو السؤال الأهم الآن يتعلق بالغد القريب، غالباً ستتم الانتخابات الرئاسية نهاية الشهر الحالى، وسوف تمثل تحدياً لكل الأطراف، فالحكومة يهمها أن تتم فى معظم المناطق الأفغانية لتثبت شرعيتها، وطالبان سوف ترفع وتيرة هجماتها العنيفة وسوف تشهد العاصمة والمدن الكبرى محاولات للسيطرة على مبانيها الحيوية، وسيقع العديد من الضحايا، وسوف تجد الولايات المتحدة نفسها فى ورطة إما مزيد من الدعم للقوات الحكومية ومساعدتها لتبقى حجر زاوية فى استقرار الأوضاع على الأقل فى مناطق سيطرة الحكومة، أو تتجه إلى نوع من اللامبالاة وترك الأحداث تتجه إلى نهايتها دون تدخل، والأقرب أن تتحرك بحذر لدعم الحكومة، وقد يتغير الموقف الأمريكى إذا ما قامت طالبان بمهاجمة مواقع أمريكية وسقط ضحايا بين قتلى وجرحى.

طالبان من جهتها قد تصعد إعلامياً ضد الولايات المتحدة وتهدد بخسائر للقوات الأمريكية، كما ألمح إلى ذلك المتحدث باسم طالبان ذبيح الله، ولكن مع الالتزام الحذر فى مهاجمة أى أمريكى، مع تكثيف الهجمات ضد المواطنين الأبرياء وقوات الأمن الحكومية.

وقد يحدث هجوم طالبانى على موقع يوجد به أمريكيون كرسالة تحذير، ولكن الأقرب أن تتجنب طالبان مواجهة صريحة مع القوات الأمريكية، ومن غير المتصور أن تعيد قيادة طالبان تقييم الموقف وأن تُقدم على خطوة إيجابية تجاه حكومة أشرف غنى، فوفقاً لأدبياتها المنشورة فإنها لا تعطى أى اهتمام بحياة الأفغانيين، بل تعتقد أن كل من يقف مع الحكومة هو هدف مشروع ويجب استهدافه وقتله، لأنه يقف حسب رؤيتها ضد الشريعة، وتصر طالبان على أن هدفها الأعلى هو إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 18 عاماً، أى إمارة أفغانية تقودها طالبان منفردة وفق تفسيراتها للشريعة الإسلامية، وتُصر على حرية حركتها إزاء تنظيم «القاعدة» الذى يتوافق معها فكرياً وسياسياً. والأمر قد يختلف جزئياً بالنسبة «لداعش».

مجمل عناصر الصورة يجسد مأزقاً يواجه الجميع، وإعلان وزير الخارجية بومبيو بأن المفاوضات ميتة حالياً، وإذا قدمت طالبان الضمانات المطلوبة فيمكن العودة للمفاوضات لاحقاً، ليس سوى محاولة للضغط السياسى على قيادة طالبان، وإبقاء بعض الأمل قائماً بأن السلام ممكن إذا تنازل الجميع. لكن هذا التفاؤل المشروط يبدو صعباً جداً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا بعد فشل الصفقة الأفغانية ماذا بعد فشل الصفقة الأفغانية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon