توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الانسحاب الأمريكى ووحدة سوريا الإقليمية

  مصر اليوم -

الانسحاب الأمريكى ووحدة سوريا الإقليمية

بقلم : د. حسن أبوطالب

بات مؤكدا أن الرئيس ترامب اتخذ قرار الانسحاب من شمال شرق سوريا فى اثناء مكالمة هاتفية مع الرئيس التركى، تناقشا خلالها حول مطالب أنقرة بشأن تفكيك قوات سوريا الديمقراطية الكردية الحليفة للولايات المتحدة، وأيضا بحث العملية العسكرية التى تعد لها تركيا للسيطرة على المناطق الكردية شرق الفرات والتى يوجد فيها عدد من القواعد العسكرية الامريكية ونحو 2500 جندى امريكى وعدد آخر من القوات الخاصة الفرنسية والبريطانية، تتحدد مهمتهم الرئيسة فى قتال مسلحى داعش.

قرار الانسحاب وقد اتخذ دون الرجوع للمساعدين الرئيسيين، وأهمهم فى هذه الحالة وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذى استقال دون ضغوط كالتى حدثت مع وزير الخارجية السابق تيلرسون، يوضح أن السياسة الأمريكية بدأت مرحلة جديدة تجاه الشرق الأوسط ككل، وليس فقط سوريا أو إيران أو تركيا، وباقى الأطراف الرئيسية فى الإقليم من العرب ومن غيرهم. وبالمقابل بدأت طورا جديدا فى التركيز على تهديدات يعتبرها الرئيس ترامب أكثر خطورة وجدية، تأتى من الصين فى أقصى الشرق ومن روسيا، ونسبيا من الهند الصاعدة بقوة اقتصاديا.

إدراك الرئيس ترامب للمخاطر الصينية على بلاده سبقه فى ذلك الرئيس السابق أوباما، والفارق بينهما أن أولوية المواجهة للخطر الصينى والروسى لدى ترامب تدفعه الى الانسحاب من مواقع تقليدية للنفوذ الامريكى من بينها افغانستان والعراق، مع الانخراط فى سياسات حمائية ومواجهات تجارية مفتوحة مع الصين على كل المستويات، والتركيز على تعزيز الصناعات العسكرية الامريكية باعتبارها أساس قوة وتفوق الجيش الأمريكى على باقى دول العالم. أما استراتيجية الرئيس السابق أوباما وإن كانت وضعت مواجهة التمدد الصينى كأولوية، لكنها لم تفقد تمسكها بتحالفاتها التقليدية سواء من الناتو، أو الاتحاد الاوروبى، أو قوى إقليمية فى الشرق الأوسط. كما لم تضع مقايضة بين الانسحاب من المناطق التى تورطت فيها أمريكا عسكريا منذ سنوات سابقة، وبين التركيز على مواجهة الصين وروسيا كما هو الحال مع سياسة الرئيس ترامب. هذا التغير فى السياسة الأمريكية سيولد نتائج عديدة على منظومة العلاقات الدولية، ورأينا مؤشراتها الأولى فى الحرب التجارية مع الصين والسخرية من أعضاء حلف الناتو وقدراتهم فى الدفاع عن أنفسهم، وفى تشديد العقوبات على دول كروسيا وإيران والتوسع بشكل مبالغ فى العقوبات على أغلبية دول العالم، وفى اتخاذ خطوات أحادية الجانب تؤثر فى طبيعة العديد من الصراعات الدولية، مثل القرار الخاص باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، والضغط على المكسيك لتتحمل تكاليف بناء سور على طول الحدود الأمريكية المكسيكية، والانسحاب من الاتفاق النووى الإيرانى ومن معاهدة المناخ وإلغاء المعاهدات التجارية مع كندا والمكسيك وإعادة التفاوض بشأنها، وغير ذلك من القرارات والمواقف التى تجسد حالة انكفاء على الذات تحت شعار أمريكا أولا، وانسحاب تدريجى من تحمل أعباء قيادة المنظومة الدولية.

قرار الانسحاب من شمال شرق سوريا، هو امتداد لتلك السياسة الانكماشية، وتغريدات الرئيس ترامب التى حاول فيها تفسير الأبعاد المختلفة لقراره المفاجئ توضح ذلك، حيث ربطت بين ما يفتخر به كتعهدات قالها للناخبين بعودة الجنود الأمريكيين من مواقع يقاتلون فيها لحساب الغير حسب رأيه، ويعتقد أنه ملزم بتحقيقها أيا كانت النتائج، وبين تصوره فى أن أمريكا تتحمل الكثير من الأعباء لتهدئة الصراعات وتسويتها وحماية مصالح قوى ودول أخرى ولكنهم جميعا لا يقدرون ما تفعله بلاده، ولا يدفعون ثمنا مناسبا للجهود والتضحيات الأمريكية. هو تصور مبنى على أن الولايات المتحدة فعلت الكثير لحساب الغير وليس لحماية المصالح الأمريكية المرتبطة بموقعها كأكبر دولة فى الانتاج الاقتصادى، والأكبر فى القوة العسكرية، والأكثر تقدما تكنولوجيا، والأكثر نفوذا فى المؤسسات الدولية، وهى كلها متطلبات القيادة للنظام الدولى والتى أدت عمليا الى اتساع رقعة المصالح الامريكية لتشمل العالم كله، وتتطلب بالتالى إنفاقا وتضحيات وإلا توارت تلك المصالح واندثرت تدريجيا ومعها زعامة العالم إلى غير رجعة.

من تفسيرات الرئيس ترامب وذات دلالة خاصة تلك التى قال فيها إن على الآخرين أن يحاربوا من أجل أنفسهم وأن الأعداء المحليين لداعش عليهم أن يتحملوا العبء الأكبر بعيدا عن أى إسهام أمريكى مباشر. وهو تفسير لا ينفى تاريخيا ان الولايات المتحدة وحليفتيها تركيا وقطر لعبتا دورا تاريخيا فى تمدد داعش منذ عام 2013، وإدارته بالذات لعبت دورا فى تهريب العديد من مسلحى داعش وقيادتهم من المواقع العراقية والسورية التى كانت على وشك الانهيار امام القوات العراقية والسورية فى 2016 و2017. وهى الآن تعطى فرصة أكبر لإعادة بروز هذا التنظيم ليشكل خطرا على كل من العراق وسوريا مرة أخرى. وهذا التعهد الذى قال به أردوغان لترامب فى المحادثة الهاتفية بينهما، بأنه ملتزم بمواصلة محاربة داعش، يعنى فى جوهره مباركة أمريكية لتمدد تركى جديد فى الشمال السورى، وفى الآن ذاته توريطا لأردوغان فى مواجهة مع النفوذ الإيرانى الذى لن يترك شمال سوريا بعد الانسحاب الأمريكى كساحة مفتوحة للنفوذ التركى وعمليات التتريك الممنهجة التى تجرى على قدم وساق فى كل بقعة احتلها الجيش التركى. ولا يخلو الانسحاب الأمريكى حال حدوثه من توريط لروسيا فى ضبط الصراع المفتوح بين حليفيها إيران وتركيا، بما لا يؤدى إلى تقسيم سوريا فعليا، وهو ما قد تفشل فيه موسكو. أما إسرائيل والتى ترى أن عليها عبئا أكبر فى حماية مصالحها ضد النفوذ الايرانى الآخذ فى التمدد سوريا وعراقيا، فلم يتردد نيتانياهو فى تأكيد انه مستمر فى مواجهة هذا النفوذ أيا كانت التكلفة. وبما يعنى أن سوريا ستظل ساحة حرب مفتوحة على احتمالات خطيرة. قد يتصور البعض أن هذا الانسحاب الأمريكى على هذا النحو المفاجئ يعنى انتصارا سوريا، وهو تصور بحاجة إلى مراجعة، فالانسحاب سيحدث لحسابات أمريكية بحتة، ويمثل فرصة لتركيا لمزيد من التمدد العسكرى على حساب الوحدة الإقليمية السورية. وهؤلاء الذين يتصورون أن هناك قوى عربية أو إسلامية يمكن أن تحل محل القوات الامريكية فى الشمال السورى فهم مخطئون تماما وعليهم مراجعة حساباتهم. أما بقايا داعش والذين ما زالوا نشيطين فهم أكثر الناس اغتباطا بهذا الانسحاب.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانسحاب الأمريكى ووحدة سوريا الإقليمية الانسحاب الأمريكى ووحدة سوريا الإقليمية



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:45 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فجر السعيد تفتح النار على نهى نبيل بعد لقائها مع نوال

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 20:43 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يتحدث عن وراثة أبنائه جين الشعر الأحمر

GMT 20:11 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم توم كروز بأعلى وسام مدني من البحرية الأميركية

GMT 09:56 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 12:18 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

الروح والحب والإخلاص " ربنا يسعدكم "

GMT 23:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا

GMT 18:11 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

3 تحديات تنتظر الزمالك قبل غلق الميركاتو الصيفي

GMT 07:33 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

"سيسيه يؤكد رفضت عروضا من أجل البقاء مع "الاتحاد

GMT 05:59 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

محمد النني يقترب من الدوري السعودي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon