بقلم : د. حسن أبوطالب
فى كلمة الرئيس السيسى فى افتتاح القمة الأفريقية الـ32 التى شهدت تسلُّم مصر رئاسة الاتحاد للعام الجارى، تضمَّنت تعبير البحث عن حلول أفريقية للمشكلات الأفريقية باعتبارها المنهج الأفضل والأمثل للخروج من دائرة المشكلات العميقة التى تضرب الكثير من بلدان القارة، وكما يقال فى الثقافة العربية «أهل مكة أدرى بشعابها»، وكذلك الأفارقة هم الأكثر دراية بمشكلاتهم وطُرق حلها، وتنظيماً لهذا المبدأ، عرض رؤساء عدة دول أفريقية فى جلسات خاصة ومغلقة تقارير مفصلة عن العديد من المشكلات التى تواجه القارة ككل، وهو تقليد يسمح بأن تركز دولة بعينها على قضية كبرى لدراستها وفحصها من منظور أفريقى، وأيضاً من خلال خبرتها الذاتية، مع تقديم توصية أو أكثر لدراستها وتحويلها بعد ذلك إلى سياسة أفريقية مشتركة.
ومن بين التقارير التى عُرضت ما قدمته الجزائر حول مكافحة الإرهاب والتطرف فى أفريقيا، وما تسرَّب عن التقرير أنه دعا إلى إنشاء مرصد للإرهاب والتطرف فى أفريقيا لمتابعة تطوُّر هذه الظاهرة ومدى تفاقمها فى مناطق دون غيرها، ومساعدتها من خلال خبرات الدول الأفريقية، حيث نجحت فى احتوائها أمنياً وفكرياً وسياسياً. ومعروف أن الجزائر لها باع طويل فى مواجهة الإرهاب والتطرف، ونجحت فى إرساء السلام المجتمعى عبر وسائل قانونية وتنموية مختلفة طوال العقدين الماضيين، ولا شك أن هذه التجربة كانت حاضرة فى ثنايا التقرير وفى التوصيات التى قُدمت للقادة الأفارقة.
وفى كلمة الرئيس السيسى، كانت هناك إشارة مفصلة بشأن الرؤية المصرية لمواجهة الإرهاب وداعميه وكل مَن يوفر ملاذاً للعناصر الإرهابية باعتبارهم طرفاً أصيلاً فى العمل الإرهابى، ويجب مواجهتهم ومحاسبتهم دولياً وإقليمياً، كما تتم المواجهة والمحاسبة مع العناصر الحركية التى تحمل السلاح، أو التى تروِّج للعنف وتستقطب الشباب للمنظمات الإرهابية، ليكونوا معول هدم لبلدانهم ومجتمعاتهم، على نحو ما نراه الآن فى أكثر من بلد عربى وأفريقى.
وفى سياق الشعار المركزى الذى يظلل عمل الاتحاد الأفريقى لهذا العام، وهو المتعلق بمواجهة ظاهرة اللاجئين والنازحين فى أفريقيا، تتضح العلاقة الوثيقة بين حل تلك المعضلة وبين مواجهة المنظمات الإرهابية التى تسعى للسيطرة على مناطق واسعة، وتُحيل حياة سكانها إلى جحيم، مما يضطرهم إلى التحرك إلى مناطق أخرى فى بلدان مجاورة، أو ينزحون من مناطقهم الأصلية إلى مناطق أخرى فى داخل بلدانهم الأم، الأمر الذى يجعل المشكلة ذات طابع إقليمى وليس محلياً فقط. وهو ما يظهر جلياً فى حالة شمال نيجيريا، حيث تدور المعارك بين الجيش وجماعة «بوكو حرام» الإرهابية، وفى حالة مالى أيضاً التى تشكَّل فيها تنظيم الدولة الإسلامية فى غرب أفريقيا، ويمتد إلى بلدان أخرى كنيجيريا وبوركينافاسو وجنوب ليبيا.
صحيح هنا أيضاً أن مشكلة اللاجئين الأفارقة تتضمن أبعاداً أخرى تتعلق بغياب التنمية وتعثّر التحولات السياسية فى اتجاه الحريات والمشاركة السياسية، وضعف البنية التحتية، وغياب الأمل والأمن، مما يدفع جموعاً من المواطنين إلى الهجرة غير المشروعة، بحثاً عن ملاذ أكثر رحابة وأمناً. وتظهر دول بعينها، لا سيما فى الشمال الأفريقى، باعتبارها مستهدفة من هؤلاء اللاجئين لكى تكون معبراً لهم فى اتجاه الشمال الأوروبى، وتعد ليبيا فى ظل تعثُّر المصالحة الشاملة وحالة الفوضى وغياب الدولة فى بعض مناطقها الواسعة، لا سيما فى الجنوب المجاور لتشاد، منطقة جذب للكثير من المهاجرين الأفارقة الذين يدفعهم الأمل للوصول بحراً إلى أوروبا. وكانت المغرب فى مراحل سابقة مستهدَفة بقوة من المهاجرين غير الشرعيين، ولكنها استطاعت عبر العديد من الإجراءات المشددة والتعاون مع الاتحاد الأوروبى أن تقدم خبرة جيدة لوقف عمليات الهروب الجماعى غير الشرعى، وأن تنسق مع الدول الأفريقية فى استعادة أبنائها ومواطنيها. وقد قدمت المغرب تقريراً فى قمة الاتحاد الأخيرة حول متابعة مرصد للهجرة فى أفريقيا.
وتعد المنطقة المحيطة ببحيرة تشاد، وتضم تشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون، ومالى لا سيما إقليم أزواد، واحدة من المناطق الممتدة التى تجسد تلك العلاقة العضوية بين انتشار الجماعات المسلحة الإرهابية وبين نزوح أعداد كبيرة من السكان إلى مناطق أخرى أكثر أمناً لهم، ولكنها لا توفر لهم بالضرورة الحياة الكريمة. وفى السنوات الماضية انتشرت عدة جماعات إرهابية، منها جماعة تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة وأنصار الشريعة وبوكو حرام، ولكل منها مناطق نفوذ، وجميعاً تدخل فى مواجهات مع الحكومات المحلية فى تلك البلدان، كما تدخل أيضاً فى مواجهات مع بعضها البعض لمد نفوذها. وتعد تشاد نقطة محورية لمواجهة انتشار الجماعات الإرهابية فى تلك المنطقة، بالتعاون مع فرنسا التى أطلقت 2014 خطة باسم «برخان»، ومقر قيادتها فى العاصمة التشادية، بهدف منع انتشار تلك الجماعات الإرهابية فى محيط دول بحيرة تشاد، والتى تحصّن بعضها فى مناطق من الجنوب الليبى، ومنها جماعة تدعى «مجلس القيادة العسكرى لإنقاذ الجمهورية»، تعتبر نفسها جماعة معارضة لنظام الرئيس إدريس ديبى، وتعلن صراحة أن هدفها هو إسقاط الحكومة التشادية الحالية. ويقودها معارضون تشاديون يقيمون فى الدوحة منذ تسع سنوات، أبرزهم تيمان أدرمى، وأدمو حسب الله، ومحمد نورى الحكيمى.
من المهم التأكيد أن مواجهة الإرهاب فى أفريقيا بصورة جماعية لم تعد ترفاً يمكن تأجيله، وهى قضية باتت تضرب مجتمعات ونُظماً أفريقية مختلفة، وبعض الدول الأفريقية تتجه تلقائياً إلى خارج المنظومة الإفريقية للحصول على دعم عسكرى وأمنى بل ومعلوماتى أيضاً لمواجهة المنظمات الإرهابية العاملة فى أراضيها. ولذا فإن إنشاء مرصد أفريقى، يُعنى برصد كل ما يتعلق بهذه الجماعات الإرهابية وخريطة وجودها وكيفية تمويلها وأساليب تحركها وكيفية نشوء تحالفات بينها فى مناطق معينة، تبدو ضرورية لأى عمل أفريقى جماعى يؤدى إلى نتائج ملموسة على الأرض. وفى اعتقادى أن مصر لديها خبرة فى إنشاء مثل هذه المراصد، يمكنها أن تضعها أمام الاتحاد الأفريقى للاستفادة منها، ولعل خبرة دار الإفتاء المصرية فى رصد فتاوى دعاة التطرف والرد عليها وتفنيدها من وجهة النظر الشرعية تصب فى هذا الإطار.
كما أن هناك تجربة مصرية أفريقية للتعاون مع دول تجمع الساحل والصحراء، حيث تشارك وزارات الدفاع فى تبادل الخبرات الدفاعية والأمنية لمواجهة التنظيمات الإرهابية ومنع تحولها إلى وحش يصعب كسره. وهى تجربة تحتاج إلى التطوير، لتصبح ذات صبغة أفريقية جماعية تسهم فى مواجهة التطرف ومنع الهجرة غير المشروعة، ولعل رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى تعد فرصة جيدة لترسيخ هذا التوجه.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع