توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصر بين اختراق رفح وانتهاك المعاهدة

  مصر اليوم -

مصر بين اختراق رفح وانتهاك المعاهدة

بقلم - حسن أبوطالب

حين تُذكر لفظة رفح في أي حوار بين اثنين أو أكثر من المصريين البسطاء، يحتار المرء في تحديد أي معنى مقصود، فرفح ليست مجرد مكان أو معبر حدودي بين بلدين جارين، كان يشكل أحد منافذ الإغاثة الرئيسية الإنسانية لفلسطينيي القطاع، ونافذتهم الوحيدة للتواصل مع العالم الخارجي، أو هي مدينة قسم منها في غزة المحتلة، يقابلها قسم آخر بالاسم نفسه في الأراضي المصرية، ولم تعد المدينة الآمنة نسبياً، مقارنة بأخواتها من مدن القطاع وفقاً لمآلات العدوان الإسرائيلي على القطاع كله منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مما دفع مليون نازح من الشمال والوسط إلى اللجوء إليها، وحولها إلى أكبر ملجأ مفتوح بلا موارد تساعد على الحياة، كما أنها ليست فقط المأوى الأخير لمقاتلي وأهم قادة الفصائل الفلسطينية وعمادها الأكبر «حماس».

رفح هي كل ذلك مضافاً إليه العملية البرية الإسرائيلية التي بدأت مراحلها الأولى قبل أسبوع، وأدت إلى سيطرة جيش الاحتلال على جزء مهم من جنوب القطاع، المعروف بمحور فيلادلفيا، وهو الفاصل بين حدود مصر وقطاع غزة، والذي كانت تحكمه تفاهمات مصرية - إسرائيلية - فلسطينية منذ عام 2005. بعد قرار إسرائيل الانسحاب الأحادي من القطاع آنذاك، وهي التفاهمات التي لم تعد الآن ذات معنى بأي حال، لا سيما في ضوء إصرار حكومة الحرب الإسرائيلية على ما تصفه استكمال متطلبات النصر، عبر عملية برية في مدينة رفح، للقضاء على آخر أربع كتائب من مقاتلي المقاومة، وتحرير من بقي من الرهائن.

المهم أن تداخل هذه المعاني يدفع عموم المصريين للتساؤل حول جدوى معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية، وهل يشكل احتلال إسرائيل لمعبر رفح وأجزاء من محور فيلادلفيا خرقاً لهذه المعاهدة يستدعي تحركاً مصرياً مناسباً؟ ثم ما هو هذا التحرك المناسب؟ وهنا تبدو المعضلة الأكبر التي تثير اتجاهات متناقضة في تحديد ما يجب أن يتم فعله رسمياً. ويُشار هنا إلى أن مصادر رسمية غير محددة أكدت على أن مصر مستعدة لكل السيناريوهات، يفهمها المتلقي على أنها سيناريوهات عسكرية وأمنية إلى جانب تحركات دبلوماسية لم تتوقف أصلاً، هدفها الرئيسي حماية الحدود من أي اختراق.

مفهوم اختراق الحدود، رغم وضوحه من الناحية العملية، من قبيل قيام أحد الأطراف بعبور خط الحدود عنوة لغرض احتلال الأرض كمقدمة لعدوان صارخ، فإنه يفرض على الطرف المُعتدى عليه اتخاذ تدابير الدفاع ورد العدوان، حينذاك تُلغى المعاهدة تلقائياً، وهو ما لم يحدث. لكن الكثيرين يتحسبون لمشهد من هذا النوع. هنا يحدث الاشتباك مع مفهوم انتهاك المعاهدة، الذي يُصر عليه قطاع من المحللين والإعلاميين بوصفه قد تم عملياً ويتطلب رداً حاسماً، لا سيما بعد تجول بعض الآليات العسكرية في جزء من محور فيلادلفيا على النحو الذي روج له جيش الاحتلال في تصوير قصير ولكنه لافت، حين مرت إحدى الآليات في عمق معبر رفح الفلسطيني، رافعة علم الاحتلال بحجم غير مسبوق، في رسالة فهمها الجميع على أنها تأكيد لسيطرة الاحتلال على المعبر، وإنهاء سيطرة الإدارة المدنية الفلسطينية التي هيمنت عليها حركة «حماس» سابقاً. لكن يظل تحديد حجم انتهاك المعاهدة غير واضح من الناحية القانونية، فأرض القطاع بأكمله هي أرض محتلة، وتحرك آليات الاحتلال في أجزاء منها، وهو الحاصل عملياً، وإن كان مكروهاً ومرفوضاً لما يترتب عليه من مخاطر مختلفة، فإن امتداده إلى جنوب القطاع يُعد بمثابة تحصيل الحاصل، ولا يمثل بالتالي انتهاكاً مباشراً لبنود المعاهدة، وإن حمل بعض المخاطر التي قد تتطور إلى تصرفات عدائية مباشرة.

قد تحدث بعض المخالفات من أحد الأطراف، وفقاً للمعاهدة مثل عدم الالتزام بإجراءات محددة في توقيتات محددة، أو تعديل في عدد القوات ونوعيتها في المناطق التي رسمت لها حدوداً جغرافية في سيناء، وأيضاً في المنطقة المسماة «د» في الجانب الإسرائيلي من الحدود. وثمة جهة لدى كل طرف تراقب هذه المخالفات، ويتم الإبلاغ عنها لغرض حلها أولاً بأول، في اجتماعات تُعقد لهذا الغرض. ومعروف أنه تم تعديل متفق عليه لعدد القوات المصرية وتسليحها في المنطقة «ج» المحاذية لخط الحدود، لمواجهة التنظيمات التكفيرية التي انتشرت في شمال سيناء قبل عقد من الآن، مما ساعد على هزيمتها.

والمتصور هنا أن جهة الرقابة المصرية تحلل طبيعة الأسلحة والآليات وعددها وعدد الجنود الإسرائيليين، في محور فيلادلفيا وما إذا كانت هناك مخالفة لما هو محدد في ملاحق المعاهدة، واتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في المعاهدة نفسها لوقف هذه المخالفة.

آخر الخطوات التي اتخذتها مصر تمثل في رفض أي تعامل مع سلطات الاحتلال لتشغيل معبر رفح، إذ خطوة كهذه ستعني اعترافاً مباشراً بشرعية احتلال المعبر ومحيطه، وقبولاً لواقع جديد يُعتقد أن أحد أهم أهداف مصر، هو أن يكون للسلطة الفلسطينية دور رئيسي لما يعرف باليوم التالي لإدارة القطاع بعد وقف العدوان وتبادل الأسرى من الجانبين المتحاربين. القرار المصري سيادي بامتياز، وأبلغ لمن يعنيه الأمر، والمعنى السياسي في هذا الموقف المصري يمتد إلى هدفين آخرين يمثلان حجر الزاوية في السياسة المصرية تجاه العدوان الإسرائيلي؛ وهما منع تهجير الفلسطينيين قسراً تجاه الأراضي المصرية، والرفض الجازم لتصفية القضية الفلسطينية وفقاً للمخططات اليمينية الإسرائيلية.

من الناحية العملية، فإن استمرار سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على المعبر من الناحية الفلسطينية والامتداد غرباً ناحية المدينة، أياً كانت المزاعم التي تصدرها نخبة الحرب الإسرائيلية، سيقود إلى معضلة ذات شقين؛ أولها وقف قوافل الإغاثة، فالمعبر أصبح منطقة عمليات عسكرية وليس منطقة آمنة بأي حال يمكن أن تمر منها الشاحنات، ثم من هم الذين سيتولون تنظيم توزيع المساعدات إن دخلت في الوقت الذي تتعرض فيه المنطقة لقذائف الدبابات الإسرائيلية والاشتباكات المتكررة مع المقاومين، والمحصلة هي مزيد من المعاناة لأهل القطاع، وثانياً دمار رفح المدينة والمحور الممتد غرباً إلى البحر. هذا إلى جانب فقدان إسرائيل آخر أوراق ضغطها على المفاوضين لدفعهم لقبول كل الشروط الإسرائيلية للهدنة المقترحة بمراحلها الثلاث.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر بين اختراق رفح وانتهاك المعاهدة مصر بين اختراق رفح وانتهاك المعاهدة



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟

GMT 23:31 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

توقيف سيدة تُدير شبكة دعارة داخل شقة سكنية في السويس

GMT 18:19 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

«المركزي» يعلن مواعيد عمل البنوك في رمضان 2021

GMT 12:03 2021 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

قمة نارية بين برشلونة وإشبيلية في نصف نهائي الكأس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon