بقلم : حسن أبوطالب
بالرغم من الجهود الكبيرة التى تبذلها مؤسسات دولية ومراكز بحوث وتقارير إعلامية للتحذير من تجاهل مخاطر التغير المناخى وآثاره السلبية على حياة البشرية بأسرها، فإن الواقع يشى بأن الاهتمام العالمى لم يصل بعد إلى درجة التفاعل الجاد لمواجهة تلك التأثيرات المحتملة، لا فى مستوى الوعى الجمعى العالمى ولا فى السياسات والإجراءات الواجب اتخاذها من قِبل الحكومات والقطاع الخاص. وفى العقد الماضى نشر العديد من التقارير والدراسات الموثقة حول المخاطر المنتظرة فى حال استمرار ظاهرة الاحتباس الحرارى وارتفاع درجات الحرارة بنحو درجتين على جميع مظاهر الحياة فى البر والبحر، وما الذى قد يصيب البشرية من كوارث كبرى. آخر تلك التقارير صدر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخى والتى تعود نشأتها إلى العام 1988، وفى التقرير نبوءة خطيرة بكل معنى الكلمة لخصتها عبارة أن «البشرية ينتظرها مستقبل أسود» فى حال استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب، فسوف تحدث ردود فعل خطيرة من جانب المحيطات والمناطق المتجمدة من الأرض. والمؤكد حسب الدراسة أن ارتفاع مستوى سطح البحر أصبح لا رجعة فيه، وفى حال سيناريو متفائل يحصر الارتفاع بدرجتين مقارنة بما كان قبل الثورة الصناعية فى ثلاثينات القرن التاسع عشر، فسوف يحدث نزوح لما يقرب من 280 مليون شخص من أماكن إقامتهم المتضررة إلى أماكن أخرى غير معروف كيف ستكون قدرتها على استيعاب هؤلاء.
وتوقع التقرير أيضاً اختفاء عديد من المدن الساحلية، كما أن جزراً مأهولة معرَّضة للاختفاء التام، كما ستحدث أعاصير بوتيرة أكبر فى عدد من المدن الكبرى فى غضون عقدين من الآن. ويتضمن التقرير أيضاً العديد من الآثار السلبية ستتعرض لها المحاصيل الزراعية وحركة الرياح، وتلوث الهواء ومياه المحيطات والشعب المرجانية، وحركة المياه فى عمق المحيطات وانخفاض انبعاثات الأكسجين من الفطريات البحرية وأيضاً من المناطق الخضراء، ومن ثم ارتفاع انبعاث ثانى أوكسيد الكربون. وفى كل الأحوال وحسب دراسات أخرى فإن النظم البيئية المعتادة فى البحر والبر سوف تتضرر كثيراً، وستحدث اختلالات عميقة فى التوازنات البيئية، سوف تصيب الكائنات الحية وفى مقدمتها الإنسان.
الآثار المترتبة على ارتفاع حرارة كوكب الأرض عديدة ومتنوعة ولا تقصى أحداً سواء كان غنياً أو فقيراً، متقدماً اقتصادياً أو ساعياً إلى النمو أو فى مرحلة ما قبل النمو. وحدة الكوكب والبشر تتجلى فى هذه الظاهرة وفى تداعياتها المرتقبة، وثمة آراء تصل إلى حد اعتبار أن التغير المناخى أشد خطراً من الحرب النووية، غير أن الوعى الجمعى فى ربوع العالم لا يدرك بعد خطورة ما ينتظر البشرية، وهو ما يجعل استجابات العديد من الحكومات فى مستوى متدنٍّ مقارنة بالمخاطر المتوقعة، بل إن دولاً كبرى لا تلتزم بالحد الأدنى من المعايير التى اتفق عليها فى إطار اتفاقية باريس لمواجهة التغير المناخى، وتبحث عن الحجج الواهية للهروب من التزاماتها.
ويلاحظ هنا العلاقة العضوية بين ثلاثة مقومات، هى سوء السلوك البشرى وإصراره على ممارسة أفعال تضره وتصيبه فى مقتل بدافع الكسب الآنى. والثانى التلوث الحادث فى الأرض نتيجة التوسع غير المنضبط فى استخدامات الوقود الأحفورى، ما يؤدى إلى رفع درجات الحرارة عن مستوياتها الطبيعية، والعنصر الثالث تلوث البحار والمحيطات ما يعود بعد ذلك على الأرض وسكانها. ولعل الآية الكريمة فى القرآن الكريم فى سورة الروم تجسد هذه العلاقة الثلاثية خير تجسيد «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِى عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» (41).
المشكلة إذاً ليست فى الدراسات ونتائجها الموثقة، بل فى التزام البشرية بحماية نفسها. هنا نجد اجتهادات كثيرة حول مواجهة بعض الظواهر المُشار إليها حال حدوثها، منها بناء مجتمعات عائمة تتوافر لها إمكانيات البقاء من مواد غذائية وموارد طاقة ذاتية وقدرات على البقاء فى ظل الظواهر المناخية العاتية، ومنها البحث فى إمكانية العيش فى تجمعات بشرية تحت سطح البحر. أما الإجراءات الوقائية فمنها تغيير نمط التكنولوجيات الصناعية بحيث تعتمد على طاقة نظيفة من الرياح أو الشمس، وإجراءات وقائية لحماية المدن الساحلية، وكل منها يحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات، لا تتوافر لدى المجتمعات الأكثر احتياجاً وتبخل بها الدول الغنية.
مصر الرسمية لديها مبادرة مهمة فى هذا السياق، وهى العضو المشارك فى كل المحافل الدولية المعنية بالتغير المناخى، فقد فطنت إلى أهم عنصر لدرء مخاطر التغيرات المناخية وهو المواجهة الجماعية والإنسانية المتوازنة لتلك المخاطر. وفى مبادرة الرئيس السيسى منذ العام 2015 المعروفة باسم «تحالف المرونة والقدرة على التكيف» والتى تشارك مصر برئاستها مع إنجلترا، لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية عدة مبادئ مهمة، منها مبدأ «المسئولية المشتركة ولكن متباينة الأعباء» والتى تُعنى بالتوازن بين جهود خفض الانبعاثات، وبين جهود التكيف مع آثار المناخ، مع احترام الملكية الوطنية للإجراءات. وثانياً أهمية توفير التمويل المستدام والمناسب للدول النامية لمواجهة تلك الظاهرة، عبر تمويل التكنولوجيات الحديثة وبناء القدرات، مع ضمان عدم فرض أعباء إضافية على الدول النامية وخاصة الأفريقية. وثالثاً تحقيق التوعية اللازمة، وضبط التشريعات الوطنية والدولية ذات الصلة.
وفى كل الأحوال يظل هناك أمر حيوى ولازم يتعلق بتغيير سلوكيات البشر أنفسهم وفى تقبُّل هذا التغيير من أجل بقائهم، وهنا تأتى معركة الوعى، والواضح أنها غائبة إلى حد كبير جداً فى البلدان المتوسطة والفقيرة، وهى الأكثر تعرضاً للمخاطر الناتجة عن التغيرات المناخية فى المستقبل القريب. وقد لاحظنا غياب الوعى فى عدم مشاركة الكثير من المجتمعات والدول فى آسيا وأفريقيا فى يوم إضراب المناخ 20 سبتمبر الماضى الذى شاركت فيه تجمعات طلابية فى عدد من المدن الأوروبية والأمريكية، لتنبيه قادة العالم المجتمعين فى الجمعية العامة بالأمم المتحدة مؤخراً، بخطورة تجاهل التغير المناخى كما هو حادث الآن. ونحن فى مصر كبلد ساحلى أحوج ما نكون لإبداع فعاليات شبابية ورسمية وإعلامية ترفع من الوعى العام بما نحن مقبلون عليه كجزء من البشرية فى مواجهة مخاطر جمة، تتطلب تغيراً فى سلوكياتنا اليومية إزاء استخدامات المياه، والبحث عن طرق مستحدثة فى التعامل مع الطاقة النظيفة، والتخفف من استخدامات الكهرباء اليومية، وتوظيف التقنيات الحديثة فى صناعاتنا الناشئة. فالوعى هو الخطوة الأولى للبقاء.