بقلم-محمد السعيد إدريس
رغم الخطورة الشديدة لقانون القومية الذى أصدره الكنيست (البرلمان) الإسرائيلى أخيرا، والذى ينص على أن إسرائيل هى «الدولة القومية للشعب اليهودي» وحده، ويؤكد أن «حق تقرير المصير فيها حق حصرى للشعب اليهودى دون غيره»، فإن الأكثر خطراً هو أن هذا القانون يعد جزءاً محورياً ضمن مشروع إسرائيلى - أمريكى أوسع هدفه التصفية النهائية للقضية الفلسطينية، وتسليم فلسطين كاملة لليهود. الأمر المحزن بهذا الخصوص أن الحديث عن ضرورة الاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية» لم يبدأه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، رغم أن هذا الاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية» هو محور خطة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية التى عنوانها «صفقة القرن»، ولكن بدأه وجاهر به الرئيس السابق باراك أوباما. فمن على منبر جامعة القاهرة تحدث أوباما عن السلام وعن ضرورة الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وصفق له الحضور، دون إدراك لما يعنيه هذا الاعتراف. غياب الإدراك العربى والعالمى لمعنى هذا الاعتراف، هو الذى شكل أرضية عدم الاكتراث بمشروع حكومات بنيامين نيتانياهو المتتالية للتوسع الاستيطانى فى الضفة الغربية، كما أن توقيع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على قرار الاعتراف بالقدس الموحدة (القدس الشرقية والقدس الغربية) عاصمة أبدية للشعب اليهودي، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، اعتبره البعض مجرد تنفيذ لقانون أمريكى قديم أصدره الكونجرس.
فى البداية كان التوسع الاستيطانى والتهويد فى معظم أنحاء الضفة الغربية تمهيداً لقرار يقضى بضم هذه المستوطنات إلى السيادة الإسرائيلية، ضمن الحدود التى ستعلنها خطة ترامب للسلام «صفقة القرن» بما يعنيه ذلك تحريك حدود إسرائيل الراهنة لتستوعب كل المناطق المقامة عليها المستوطنات، لتصبح كل هذه الأراضى حدوداً «جديدة ومؤقتة» لدولة إسرائيل. ثم جاء «قانون القومية» ليفرض يهودية كل هذه الأراضى بما يعنيه ذلك كونها أرضا للشعب اليهودى وحده، ووضع الفلسطينيين المقيمين على كل هذه المساحة سواء داخل ما يسمى الآن بـ «إسرائيل» أو فى الأراضى التى ستستقطع من الضفة الغربية أمام أحد خيارين أحلاهما شديد المرارة. إما مغادرة إسرائيل نهائياً والبحث عن أوطان بديلة وجنسيات بديلة، وإما القبول بالتحول إلى «أقلية» معدومة الحقوق السياسية، أى معدومة حقوق «المواطنة» والعيش كـ «غرباء» داخل «دولة اليهود».
من هنا تأتى خطورة «قانون القومية» ومن هنا تأتى باقى مكونات المشروع الإسرائيلي- الأمريكى وبالذات ما يخص «حق عودة اللاجئين الفلسطينيين». فالتسوية التى أقرها مشروع أوسلو للسلام كانت قد أرجأت ثلاث قضايا محورية جرى تسميتها بـ «قضايا التفاوض النهائي»، هى قضايا الحدود، والقدس، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين. لم يدرك المفاوض الفلسطينى فى أوسلو أن إرجاء هذه القضايا لعشر سنوات ابتداءً من عام 1993 وهو الموعد الذى كان قد تقرر فيه البت بهذه القضايا كان هدفه تصفيتها نهائياً بعد إيجاد الظروف المناسبة التى تسمح بذلك. ولم يدرك أحد حقيقة النوايا الإسرائيلية التى جرى التستر عليها أمريكياً طيلة تلك السنوات التى مضت. وإذا كان دونالد ترامب قد قام بتصفية قضية القدس لصالح إسرائيل، ويستعد الآن لإعلان مضامين خطته لـ «الحدود الجديدة» للدولة الإسرائيلية ضمن «صفقة القرن»، فإن حق عودة اللاجئين هو محور الاهتمام الجديد بعد إعلان «قانون القومية». فإذا كان هذا القانون قد استهدف، ضمن ما يستهدف، القضاء على أى علاقة ارتباط للاجئين الفلسطينيين بوطنهم الفلسطيني، الذى أصبح، وفق هذا القانون، «دولة لليهود» دون غيرهم، فإن السياسة الأمريكية- الإسرائيلية العدوانية الراهنة ضد وكالة «غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الاونروا) الرامية إلى تصفية هذه الوكالة نهائياً هدفها الأساسى هو الإجهاز على وجود ما يسمى بـ «لاجئين فلسطينيين» من خلال فرض توطينهم فى أماكن وجودهم الحالية.
فقد كشفت هذه المجلة أن الولايات المتحدة تخطط للتخلى عن اأونرواب فى سياق ترتيباتها لتمرير «صفقة القرن»، والتى تسعى من خلالها إلى سحب صفة «اللاجئين» عن ملايين الفلسطينيين، واعتبار أماكن وجودهم حالياً دائمة، ومن ثم شطب حق العودة. وأوضحت المجلة أن جولة جاريد كوشنر صهر الرئيس ترامب ومستشاره فى يونيو الماضى بالمنطقة بصحبة جيسون جرينيلات مبعوث ترامب للشرق الأوسط كان هدفها إزاحة قضية اللاجئين نهائياً من على مائدة التفاوض المحتملة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ضمن مشروع ترامب للتسوية. هذه الجهود تتكامل مع مساعى داج لمبورن عضو مجلس النواب الأمريكى عن الحزب الجمهورى وعدد من زملائه التى تستهدف تمرير مشروع قانون فى الكونجرس يحصر عدد اللاجئين الفلسطينيين بـ 40 ألفاً فقط وذلك ضمن تعريف للاجئين الفلسطينيين بمن تشردوا خلال النكبة فقط، وهذا ما تحمست له صحيفة اإسرائيل اليومب المقربة من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وقالت أنه فى حالة اعتماد هذا التعريف سينخفض عدد اللاجئين الفلسطينيين بشكل كبير، خاصة أن التعريف الأممى الذى تعتمده «اونروا» وهو خمسة ملايين لاجئ جعل ميزانية الوكالة تتضخم بشكل كبير، كما أدى إلى إبقاء قضيتهم حيَّة إلى الأبد«، وهذا ما ترفضه الولايات المتحدة بشدة، وفق ما صرحت به نيكى هايلى رئيسة الوفد الأمريكى بالأمم المتحدة عندما تحدثت بعدوانية شديدة عن الأونروا وقالت ألا يعقل أن تكون هناك مجموعة واحدة من اللاجئين يتواصل عددها فى التضخم إلى الأبد بناء على تعريف «الأمم المتحدة». المطلوب إذن هو إماتة «أونروا» للإجهاز نهائياً على «حق العودة» وفرض «حق التوطين» كبديل له، أى حق توطين اللاجئين فى أماكن وجودهم ومنافيهم، وبذلك تكون إسرائيل متحالفة مع الولايات المتحدة قد أجهزتا، ونهائياً، على القضايا الثلاث التى أرجأها «اتفاق أوسلو» باعتبارها «قضايا التفاوض النهائي»، ما يعنى أنه لم يعد أمام السلطة الفلسطينية ما يمكن أن تتفاوض عليه، وهنا يفرض سؤال مهم نفسه هو: ولماذا تبقى السلطة الفلسطينية، أو ما هى مبررات وجودها؟ السؤال مهم لأن له علاقة بالإجابة عن سؤال آخر أكثر أهمية هو: وماذا بعد كل هذه التداعيات المتلاحقة لقانون القومية ومشروع ترامب للسلام ومسار تصفية القضية الفلسطينية.
نقلا عن الأهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع