توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دوافع إعلان إسرائيل دولة يهودية

  مصر اليوم -

دوافع إعلان إسرائيل دولة يهودية

بقلم-محمد السعيد إدريس

إنه الجنون بعينه.. هكذا يؤكد كاتب صهيونى شديد الحماس للدعوة الصهيونية وللسيطرة الكاملة على فلسطين، تعليقاً على نجاح التيارات اليمينية المتشددة فى إصدار «قانون القومية» من الكنيست يوم 19 يوليو الفائت، وهو القانون الذى يؤسس لجعل إسرائيل «دولة يهودية»، أى دولة لليهود وحدهم دون غيرهم، هذا الكاتب يريد أن يؤكد جانبا مهما من القضية المثارة الآن داخل الكيان الصهيونى وهى وجود انقسام حاد على القانون، بين من يعتبرون أنفسهم ممثلين لـ «الصهيونية اليهودية» وهم من قاتلوا داخل الكنيست لتمرير القانون، وبين من يعتبرون أنفسهم ممثلين لـ »الصهيونية الليبرالية« الرافضين له، لذلك لم يصدر القانون إلا بأغلبية 61 صوتاً فقط من إجمالى الأعضاء البالغ عددهم 120 نائباً، لكن الجانب الآخر الأهم هو ما الذى دفع هؤلاء الصهاينة التوراتيين للإصرار على فرض هذا القانون الذى يؤكد أن الكيان الصهيوني، بتحوله إلى دولة يهودية، أصبح باعتراف أصحابه «دولة تمييز عنصري» جهاراً نهاراً وبنص القانون، من هنا جاء وصف ما حدث بأنه «جنون محض» وللتدليل على ذلك يقول: هل رأيتم أن لصاً محترفاً تجرأ فى يوم من الأيام على أن يستأجر محلاً ليكون مقراً رسمياً لممارسة اللصوصية علناً ودون مواربة وأن يعلق لافتة أعلى هذا المحل تعلن نشاطه كلص محترف يتحدى السلطة والقانون نصها «فلان وأولاده لسرقة كل أنواع السيارات والأدوات الكهربائية مثلاً؟!!». هذا ما فعلته إسرائيل بإصدار ذلك القانون.

الإسرائيليون الذين أصدروا «قانون القومية» فعلوا ذلك ومن على منصة برلمانهم، دون اعتبار لما سبق أن كتبه الدبلوماسى الإسرائيلى القديم ألون لينال محذراً على «تويتر» بأن «الفصل العنصرى (الابارتهايد) فى جنوب إفريقيا لم يسقط بسبب وجود عنصرية حقيقية فى الممارسة فقط بل ولأن هذه العنصرية والتمييز العنصرى كان موجوداً ومنصوصاً عليه فى قانون الدولة، على نحو ما هو حادث الآن فى إسرائيل»، ولذلك يشغل الكثيرين من الإسرائيليين، الرافضين لهذا القانون والمتخوفين من تداعياته السلبية المؤكدة على مستقبل وجود الكيان الصهيوني، أنفسهم سؤال مهم وهو: لماذا لجأ هؤلاء المتحمسون لقانون القومية لإصداره مادام أن التمييز العنصرى يمارس بأعتى صوره ضد الشعب الفلسطينى عملياً منذ تأسيس الكيان، على النحو الذى أراده الآباء المؤسسون، وفى المقدمة ديفيد بن جوريون الذين حرصوا على أن يضمنِّوا «وثيقة الاستقلال» نصوصاً تقطر إنسانية واحتراماً لأبناء الشعب الفلسطيني، فى محاولة ذكية منهم لتجىء وثيقة الاستقلال (وثيقة إعلان قيام الكيان عام 1948) مطابقة للقيم المتضمنة فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة، كى يحصل الكيان على الاعتراف الدولي، وهذا ما نجحوا فيه، رغم أنهم كانوا يمارسون أسوأ أنواع العدوانية ضد حقوق الإنسان الفلسطينى داخل الكيان، وظلوا يمارسون هذه العنصرية على مدى الأعوام السبعين الماضية من عمر الكيان.

تتعدد الإجابات عن هذا السؤال، ونحن أيضاً يجب أن تشغلنا الإجابة لأن ذلك له علاقة مباشرة بسبل المواجهة. ويمكننا أن نحصر الإجابات المتعددة على سؤال دوافع إقدام الكيان على إصدار قانون عنصرى من شأنه أن يعرضه للمحاسبة الدولية وأن يخلق جبهة مواجهة عالمية واسعة ضده على نحو ما حدث مع النظام العنصرى لجنوب أفريقيا (السابق) فى إجابتين: الأولى إجابة مبسطة وتحصر الأسباب فى التنافس السياسى والانتخابى بين أبرز التيارات اليمينية المتطرفة، وعلى الأخص حزب الليكود بزعامة بنيامين نيتانياهو وحزب البيت اليهودى بزعامة نفتالى بينيت حول أيهما الأحق بتمثيل تطلعات التيارات اليهودية المتشددة داخل الكيان، أما الإجابة الأكثر واقعية والأهم فهى إدراك قادة هذه التيارات، وهم ممثلون بقوة داخل ما يسمى «الكابينيت» (الحكومة المصغرة)، بأن هناك فرصة إقليمية كبرى أمام إسرائيل كى تفرض نفسها كـ «دولة يهودية» وأن تفرض مشروع التهويد الكامل داخلها وعلى الضفة الغربية ضمن خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للسلام التى استقى مضامينها صهره ومستشاره جاريد كوشنر ومبعوثه للشرق الأوسط جيسون جرينبلات من خلال أكثر من جولة قاما بها فى المنطقة، وبالتحديد للدول العربية ذات الشأن فى الأمرين العربى والفلسطيني.

هذه الإجابة عرضها الكاتبان المميزان فى صحيفة «هاآرتس» أمير تيفور وعاموس هرئيل (المحسوبة على تيار الصهيونية الليبرالية) بالقول إنه فى نهاية تلك الجولات، وصل جيسون جرينبلات المبعوث الخاص للرئيس ترامب إلى استنتاج مفاده أن «الولايات المتحدة تمتلك الآن فرصة نادرة للربط بين إسرائيل والدول العربية على أساس التقاء مصالح الأطراف فى العداء لإيران». وأكد الكاتبان استنتاجهما بأن مصدراً كبيراً فى البيت الأبيض أوضح أن «العالم العربى وإسرائيل يتقاسمان الكثير من المصالح والأهداف المشتركة للعمل ضد إيران»، وأن هذا الاستنتاج دفع كل من كوشنر وجرينبلات للعمل مع السفير الأمريكى الجديد فى إسرائيل ديفيد فريدمان بتركيزعملهم على توظيف هذا التلاقى فى المصالح والأهداف بين إسرائيل ودول عربية لبلورة مشروع ترامب للسلام»، الذى حمل اسم «صفقة القرن»، وكانت قناعتهم أنهم سينجحون فى مشروعهم، لكن رفض الرئيس الفلسطينى محمود عباس الصفقة أربك حسابات كل الأطراف الأمريكية والإسرائيلية والعربية، التعليق المتداول المنقول عن أبو مازن بهذا الخصوص هو قوله: «لن أنهى حياتى بخيانة». هذا الإرباك الذى حدث فرض إرجاء إعلان الخطة، وهذا ما حفز صقور الحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسهم بنيامين نيتانياهو، للتعجيل بإصدار «قانون القومية» باعتباره مكسباً لا يمكن التضحية به انتظاراً لإعلان صفقة ترامب المتعثرة، خصوصاً أن اعتراف ترامب بالقدس عاصمة للكيان ونقل السفارة الأمريكية إليها أنجز، عملياً، الجزء الأكبر من الصفقة التى سيزداد تأكيدها بفرض قانون جعل إسرائيل دولة يهودية، إضافة إلى الجهود الأمريكية- الإسرائيلية لتصفية حق عودة اللاجئين الفلسطينيين.

إنها إذن «الفرصة التاريخية» التى وفرها الانحراف العربى عن مجرى الصراع التاريخى والإستراتيجى ضد الكيان الصهيونى بصراعات أخرى بديلة، سواء كانت حقيقية أم مفتعلة هى من شجعت إدارة ترامب على صياغة مشروع للتسوية يحقق طموحات إسرائيل على حساب الحقوق العربية فى فلسطين، وحفَّزت المتطرفين اليهود داخل الكيان للتجرؤ على إعلانه «دولة عنصرية يهودية» ضاربين عرض الحائط بكل قواعد القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية.

الوعى بهذه الحقيقة والعمل على تصحيحها هو المدخل الأنسب والحتمى لإسقاط التجرؤ الأمريكى والإسرائيلى على الحقوق العربية المشروعة فى فلسطين وعلى مجمل الحقوق العربية.

نقلا عن الأهرام القاهرية 
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دوافع إعلان إسرائيل دولة يهودية دوافع إعلان إسرائيل دولة يهودية



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon