توقيت القاهرة المحلي 08:55:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رهانات العرب بعد سقوط كل الخيارات

  مصر اليوم -

رهانات العرب بعد سقوط كل الخيارات

بقلم - محمد السعيد إدريس

لسنوات طويلة ظل الكيان الصهيونى ومؤسسوه وقادته وحلفاؤه من دول العالم خاصة الغرب الاستعماري، وفى المقدمة منه بريطانيا والولايات المتحدة يتسترون على الحقائق والمكونات التى تأسس عليها هذا الكيان من أهداف وأدوار. ربطوا بين «الصدمة» وبالتدرج فى الإفصاح عن هذه المكونات. كان التدرج والمخادعة هما السمة العامة، وعندما يدركون أن الظروف باتت مواتية يسارعون بفرض الصدمات وذلك بشن حروب التوسع وسياسات القهر والعدوان على الشعب الفلسطينى والدول العربية المجاورة ابتداءً من حرب 1948 وبعدها العدوان الثلاثى عام 1956، ثم عدوان يونيو 1967، ثم الحروب المحدودة والاعتداءات على الشعب الفلسطيني. كان العامل الحاكم فى هذه السياسة هو «الرهان على الزمن» والثقة بأنه يعمل لصالحهم وليس لصالح العرب والفلسطينيين بالأساس، من هنا كان رفضهم لكل مبادرات السلام، وكل قرارات الشرعية الدولية والإصرار على التأسيس لشرعية بديلة حاكمة هى شرعية «القوة الإسرائيلية» ومتطلبات الأمن والتوسع الإسرائيلى لفرض السلام الذى يريدونه.

اهتموا بإعلان إسرائيل دولة ديمقراطية لإخفاء حقيقة كونها دولة عنصرية بغيضة، لأسباب تتعلق بالرهان على الزمن و التاريخ ومخادعة العالم، تماماً كما أخفوا حقيقة كونهم دولة نووية، واختاروا ما سموه بسياسة «الخداع الإستراتيجي». ظلوا يخادعون العالم بإخفاء هذه الحقائق على اعتبار أن الوقت لم يكن مناسباً للإفصاح عنها وبالذات بالنسبة لهوية الدولة والتوسع الاستيطاني، ولعل هذا ما يفسر أسباب رفضهم لمبادرة السلام العربية الصادرة عن مؤتمر القمة العربية الذى عقد عام 2002 فى بيروت، وهى المبادرة التى قبلت، بمقايضة الانسحاب الإسرائيلى الكامل من كل الأراضى العربية التى احتلت عام 1967 بالتطبيع الشامل للعلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.

رفض الإسرائيليون منذ عام 2002 مبادرة السلام العربية لأنهم كانوا يريدون من العرب السلام والتطبيع الشامل دون دفع أى ثمن، أى دون الانسحاب من الأراضى التى احتلت عام 1967، لقناعتهم بأن بمقدورهم أن يفرضوا على العرب تطبيع علاقاتهم مع إسرائيل دون دفع أى ثمن للفلسطينيين، ويبدو أنهم أضحوا الآن على قناعة بأن بمقدورهم أن يفرضوا ذلك، ولعل هذا ما حفزهم على إصدار ما يسمى بـ «قانون الدولة القومية» الذى يجعل من فلسطين وطناً وأرضاً للشعب اليهودى دون غيره، ويجعل حق تقرير المصير حقاً لليهود دون غيرهم على هذه الأرض، ويجعل اللغة العبرية اللغة الرسمية الوحيدة فى البلاد، ويجعل العرب مجرد أقلية ، ومن ثم يفرض على عرب فلسطين حتمية القبول بأحد خيارين إما الرحيل من الدولة إلى خارجها، وإما القبول بالدونية وأن يتحولوا إلى مجرد أقلية ليس من حقها المطالبة بالمواطنة والحقوق المتساوية. هكذا أشهرت إسرائيل عنصريتها دون خجل وضربت عرض الحائط بما كان يسمى «ديمقراطية»، لم تكتف بذلك بل شرعنت هذه العنصرية بهذا القانون الذى يُعلى من شأن يهوديتها. فالقانون ينص على أن «إسرائيل هى الوطن التاريخى للشعب اليهودي»، وأن حق تقرير المصير فيها «يخص الشعب اليهودى فقط» لم يكتف بالنص على أن «إسرائيل هى دولة الشعب اليهودي» بل نص على أنها «وطن الشعب اليهودي» ما يعنى تبنى أكذوبة أن فلسطين هى أرض الشعب اليهودى فقط، هى «أرض الميعاد» وهى «عطاء من الرب» لا يمكن التفريط فيه، وأن الوجود العربى كان وجوداً احتلالياً، وأن حرب 1948هى «حرب الاستقلال» وأن الأرض التى يقومون بالاستيطان فيها ابتداءً من القدس إلى معظم أراضى الضفة الغربية ليست احتلالاً بل إن ما يقومون به هو توسع فى الوطن الإسرائيلي، لذلك نص هذا القانون على أن «الدولة تعتبر تنمية الاستيطان اليهودى قيمة قومية وستعمل على تشجيع ودعم تأسيسه»، كما نص على أن «القدس الكبرى والموحدة والكاملة عاصمة إسرائيل وأن اللغة العبرية هى لغة الدولة الرسمية، وأن الهجرة التى تؤدى إلى المواطنة المباشرة هى لليهود فقط» ما يعنى الإنهاء الكامل لحق العودة بالنسبة للشعب الفلسطيني، وجعل العودة حقاً مطلقاً لليهود دون غيرهم. كم كان ملفتاً ما حدث عقب التصويت على هذا القانون والتصديق عليه من الكنيست من جانب بنيامين نيتانياهو رئيس الحكومة. فقد تقدم إلى منصة الكنيست وقال مخاطباً العالم كله، وفى القلب منه العالم العربي، وليس فقط الإسرائيليون «أن هذه لحظة مؤسسة فى تاريخ الصهيونية، وتاريخ دولة إسرائيل، فبعد 122 عاماً من نشر هيرتسل حلمه (ثيودور هيرتسل مؤسس المشروع الصهيونى والمشرف على انعقاد المؤتمر الصهيونى الأول عام 1897). ثبتنا بقانون، المبدأ الأساسى لوجودنا. إسرائيل هى الدولة القومية للشعب اليهودي.. أنا أكرر: هذه دولتنا، دولة اليهود»، وكم كان ملفتاً أيضاً حرص النائب آفى ديختر، المبادر الأول لإعداد هذا القانون (وزير الشاباك «أمن الدولة» الأسبق) على أن يوضح لزعماء ونواب الشعب الفلسطينى فى الكنيست من أعضاء القائمة العربية المشتركة الحدود التى يجب أن يتحركوا طبقاً لها ابتداءً من لحظة التصديق على القانون، وهى أن أقصى ما يجب أن يطمحوا إليه هو «المساواة بين الأقليات وليس المساواة القومية» وقال «كل ما باستطاعتكم فعله هو المساواة لأقليات، وليس مساواة قومية». لن تكون أى أقلية قادرة على تغيير رموز الدولة «إسرائيل ليست دولة ثنائية القومية أو ثنائية اللغة ولن تكون هكذا، إسرائيل هى الدولة القومية للشعب اليهودي». قد يتصور البعض، عن إدراك خاطئ، أن هذا القانون يقتصر فقط على من يعيشون داخل إسرائيل أى العرب الذين يشكلون الآن 20% من السكان، لكنه يمتد بالتأكيد إلى القدس والضفة الغربية ضمن إطار التوسع الاستيطانى والتهويد، فى ظل هدف فرض فلسطين دولة لشعب واحد هو الشعب اليهودي. وهكذا يكون خيار حل الدولتين قد سقط نهائياً، وسقط معه خيار الدولة الواحدة ثنائية القومية (أى العرب واليهود) والرسالة التى يريدون فرضها بهذا القانون أنه لم يعد أمام الفلسطينيين والعرب غير القبول بأن فلسطين هى للشعب اليهودى وحده، وأن عليهم القبول بنهاية حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. راهن الإسرائيليون على أن الزمن يعمل لصالحهم كما راهنوا على العجز العربى الكامل، واختلال موازين القوى لصالحهم وثقة منهم أنه ليس باستطاعة العرب إسقاط السماء على الأرض مثلما لم تسقط عندما أعلن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب القدس الموحدة عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، لكن يبقى السؤال الأهم وهو بعد هذا كله: على ماذا يراهن العرب بتمسكهم بـ«خيار السلام» بعد أن أسقطت إسرائيل كل الخيارات؟

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

نقلا عن الأهرام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رهانات العرب بعد سقوط كل الخيارات رهانات العرب بعد سقوط كل الخيارات



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon