توقيت القاهرة المحلي 05:23:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من «جيتو الحارة» إلى «جيتو الدولة»

  مصر اليوم -

من «جيتو الحارة» إلى «جيتو الدولة»

بقلم-محمد السعيد إدريس

اعتاد اليهود تاريخياً أن يعيشوا فى عزلة عن كل أقرانهم من أبناء الدول التى يقيمون فيها. كانت عندهم مبرراتهم للسكن والعيش فى تلك «المعازل» أو «الجيتوهات». وكان «الجيتو» أو «المعزل» يعد بمنزلة «مرتكز الأمان» بالنسبة لهم.

لكن أحداً لم يتصور أبداً أن هؤلاء اليهود باتوا أسرى لعقدتين مستحكمتين حتى عندما أصبحت لهم دولة؛ الأولى هى عقدة الاضطهاد الذى عاشوه فى منافيهم السابقة والثانية هى عقدة ممارسة الاضطهاد والتنكيل ضد الشعب الفلسطينى الذى وقع عليه عبء تحمل هاتين العقدتين منذ أن نجح اليهود فى احتلال فلسطين. فالفلسطينيون أجبروا بالقهر والقوة على مغادرة مدنهم وقراهم والفرار إلى دول الجوار العربي، وأصبحوا لاجئين، ومن استطاع منهم الصمود والبقاء داخل إسرائيل تحملوا أعباء الاضطهاد مضاعفة داخل الكيان الإسرائيلي، وأصبحوا الآن مضطرين، بعد إقرار ما يسميه الإسرائيليون «قانون القومية» أن يتحولوا إما إلى لاجئين جدد فى المنافى والشتات، وإما أن يصبحوا مجرد أقلية مجردة من جميع الحقوق المدنية.

فقانون القومية يستهدف جعل فلسطين كلها «وطناً لليهود» دون غيرهم، ما يعنى اقتلاع الفلسطينيين من جذورهم وديارهم، كى تتحول فلسطين إلى «حارة يهود كبيرة»، لأن اليهود لا يقدرون على العيش إلا داخل «الحارة» أو «الجيتو» اليهودي. كان اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم يجرى بصورة ممنهجة سواء داخل إسرائيل نفسها أو فى القدس والضفة الغربية التى يسمونها «يهودا والسامرة» ويعتبرونها «أرضاً محررة»، ويكرهون جداً اسم «احتلال» ويرفضون وصفها بـ«أرض محتلة» لسبب واضح وهو أنهم يرفضون الانسحاب منها ويستنكرون أى رفض للتوسع الاستيطانى والتهويد المتواصل، لأنهم يعتبرونها أرضهم ووطنهم بالقوة والاغتصاب وبالارتكاز إلى ما يعتبرونه «وعوداً إلهية».

فقانون القومية الذى أقره «الكنيست» يوم 19 يوليو الفائت يلخص جوهر المشروع اليهودى كما هو دون إخفاء وبعيداً عن كل محاولات التجميل السابقة التى قامت بها مؤسسات إعلامية ومراكز بحثية إسرائيلية وغربية.

فالقانون يقول بوضوح شديد أن دولة إسرائيل هي، وبأعلى صوت، «دولة فصل عنصري» دون خشية من أى رد فعل عالمي، ودون تحسب للآثار السلبية التى ستقع على الخطاب السياسى الذى يروج له أنصار مشروع السلام أو التسوية فى صفوف العرب أو غير العرب.

فالقانون ينص على أن «أرض إسرائيل هى الوطن التاريخى للشعب اليهودي»، وأن دولة إسرائيل هى «الدولة القومية للشعب اليهودي، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعى والثقافى والدينى والتاريخى لتقرير المصير»، كما ينص على أن «القدس الكاملة والموحدة هى عاصمة إسرائيل».

هذا يعنى أن دولة إسرائيل ستتحول إلى «حارة يهودية كبيرة» خالية من «العرب الغرباء» أو وضع هؤلاء الغرباء أو «الأغيار» فى معازل وحارات أخرى خاصة بهم، لكن ولكى تكتمل معالم الحارة فإنهم شرعوا منذ سنوات فى بناء وتشييد أسوار أسمنتية محصنة على ما يعتبرونه حدوداً، قد تكون مؤقتة لدولتهم. أقاموا الجدار العنصرى العازل فى الضفة الغربية الذى قضم معظم أراضى الضفة وألحقها بالكيان الإسرائيلي، وأقاموا جداراً عازلاً على حدودهم مع مصر ومع قطاع غزة ويقيمون الآن جداراً عازلاً على الحدود مع لبنان وهناك سور من الأسلاك الشائكة والمراقبة الإلكترونية على الحدود مع سوريا فى الجولان السورى المحتل وبهذا يكون «الجيتو اليهودي» قد اكتمل فى شكل دولة.

هم يعتبرون أنهم يحصنون «حارتهم» بهذه الجدران، لكنهم للأسف خسروا مشروعاً كانوا يعتقدون أن فى مقدورهم تزعمه، هو مشروع الشرق الأوسط، فإذا كانوا قد كسبوا حارة فإنهم خسروا مشروعهم، وأن هذه الحارة يمكن أن تكون نهايتهم، ولعل هذا ما يفجر الآن المعارضة القوية لقانون الملكية داخل الكيان الصهيونى نفسه، هذه المعارضة تخشى أن يكون الالتزام بهذا القانون هو فى ذاته مشروع تصفيته.

فالقانون من وجهة نظر المعارضين الإسرائيليين أظهر الوجه القبيح للدولة الإسرائيلية، أنهى الأسطورة الزائفة لـ «دولة واحة الديمقراطية» فى الشرق الأوسط وأرسى بدلاً منها معالم دولة عنصرية بغيضة ستمارس بالقانون الفصل العنصرى ضد ما يعتبرونه «أقلية عربية» سواء فى السكن أو بإرساء مسارين منفصلين للمواطنة على أساس الهوية العرقية والدينية، ومن ثم يقدم إسرائيل طواعية «لقمة سائغة للقانون الدولي» الذى يحرِّم العنصرية، ومن ثم يمكن أن يجعل العالم كله فى مواجهة إسرائيل، كما أنه يضع إسرائيل فى مواجهة مع الدول التى توجد بها أقليات يهودية فى ظل تبنى هذا القانون لمضمون «قانون العودة» الإسرائيلى الذى يجعل كل يهودى يعيش فى أى مكان فى العالم «صاحب حق شرعى فى العودة إلى وطنه اليهودي.. إسرائيل».

فقانون «العودة» أو «المواطنة» يمنح المواطنة الإسرائيلية لكل يهودى فى العالم فى حين يحرِّم عودة اللاجئين الفلسطينيين، والأكثر من ذلك أنه يسعى إلى تصفية وجود اللاجئين ذاتهم عبر سياسات مدعومة أمريكياً أبرزها الإصرار على تصفية منظمة «الأونروا» (منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) لا لشىء إلا لأنها تتبنى تعريفاً للاجئ ترفضه إسرائيل وترفضه الولايات المتحدة حيث تتبنى الأونروا تعريفاً للاجئين الفلسطينيين يتضمن اللاجئين الأصليين الذين تشردوا عام 1948 وأبناؤهم وأحفادهم وتحصر عددهم الآن بخمسة ملايين لاجئ، فى حين أن إسرائيل والولايات المتحدة تحصران اللاجئين بمن تشردوا خلال النكبة فقط واستثناء نسلهم من الأجيال اللاحقة.

لقد أسقط «قانون القومية» الإسرائيلى «ورقة التوت المزيفة» عن الكيان الإسرائيلي، لكنه أسقط فى ذات الوقت ورقة التوت عن مشروع السلام الأمريكى الذى يحمل اسم «صفقة القرن» فهو شريك فى مشروع الدولة اليهودية أو «الحارة اليهودية» بجعل القدس عاصمة لإسرائيل والسعى الأمريكى الدءوب لتصفية قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين لكن الأهم أن هذا القانون، أى قانون القومية، فى مقدوره أن يعيد الصراع مجدداً إلى قاعدته الحقيقية التى حرصت أطراف عديدة على طمسها وأن يستعيد الوعى العربى الغائب بحقيقة الصراع لدى أجيال عربية وفلسطينية جديدة ويضعها أمام مسئولية استعادة الحقوق ومحاصرة تلك «الحارة اليهودية» داخل جدرانها الأسمنتية على العكس مما يتوقع الإسرائيليون. فالمحاصرة لتلك «الحارة» هى البداية اللازمة لإعادة تأسيس مشروع عربى - فلسطينى جديد للمقاومة.

نقلا عن الأهرام القاهرية 
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من «جيتو الحارة» إلى «جيتو الدولة» من «جيتو الحارة» إلى «جيتو الدولة»



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon