توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من «جيتو الحارة» إلى «جيتو الدولة»

  مصر اليوم -

من «جيتو الحارة» إلى «جيتو الدولة»

بقلم-محمد السعيد إدريس

اعتاد اليهود تاريخياً أن يعيشوا فى عزلة عن كل أقرانهم من أبناء الدول التى يقيمون فيها. كانت عندهم مبرراتهم للسكن والعيش فى تلك «المعازل» أو «الجيتوهات». وكان «الجيتو» أو «المعزل» يعد بمنزلة «مرتكز الأمان» بالنسبة لهم.

لكن أحداً لم يتصور أبداً أن هؤلاء اليهود باتوا أسرى لعقدتين مستحكمتين حتى عندما أصبحت لهم دولة؛ الأولى هى عقدة الاضطهاد الذى عاشوه فى منافيهم السابقة والثانية هى عقدة ممارسة الاضطهاد والتنكيل ضد الشعب الفلسطينى الذى وقع عليه عبء تحمل هاتين العقدتين منذ أن نجح اليهود فى احتلال فلسطين. فالفلسطينيون أجبروا بالقهر والقوة على مغادرة مدنهم وقراهم والفرار إلى دول الجوار العربي، وأصبحوا لاجئين، ومن استطاع منهم الصمود والبقاء داخل إسرائيل تحملوا أعباء الاضطهاد مضاعفة داخل الكيان الإسرائيلي، وأصبحوا الآن مضطرين، بعد إقرار ما يسميه الإسرائيليون «قانون القومية» أن يتحولوا إما إلى لاجئين جدد فى المنافى والشتات، وإما أن يصبحوا مجرد أقلية مجردة من جميع الحقوق المدنية.

فقانون القومية يستهدف جعل فلسطين كلها «وطناً لليهود» دون غيرهم، ما يعنى اقتلاع الفلسطينيين من جذورهم وديارهم، كى تتحول فلسطين إلى «حارة يهود كبيرة»، لأن اليهود لا يقدرون على العيش إلا داخل «الحارة» أو «الجيتو» اليهودي. كان اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم يجرى بصورة ممنهجة سواء داخل إسرائيل نفسها أو فى القدس والضفة الغربية التى يسمونها «يهودا والسامرة» ويعتبرونها «أرضاً محررة»، ويكرهون جداً اسم «احتلال» ويرفضون وصفها بـ«أرض محتلة» لسبب واضح وهو أنهم يرفضون الانسحاب منها ويستنكرون أى رفض للتوسع الاستيطانى والتهويد المتواصل، لأنهم يعتبرونها أرضهم ووطنهم بالقوة والاغتصاب وبالارتكاز إلى ما يعتبرونه «وعوداً إلهية».

فقانون القومية الذى أقره «الكنيست» يوم 19 يوليو الفائت يلخص جوهر المشروع اليهودى كما هو دون إخفاء وبعيداً عن كل محاولات التجميل السابقة التى قامت بها مؤسسات إعلامية ومراكز بحثية إسرائيلية وغربية.

فالقانون يقول بوضوح شديد أن دولة إسرائيل هي، وبأعلى صوت، «دولة فصل عنصري» دون خشية من أى رد فعل عالمي، ودون تحسب للآثار السلبية التى ستقع على الخطاب السياسى الذى يروج له أنصار مشروع السلام أو التسوية فى صفوف العرب أو غير العرب.

فالقانون ينص على أن «أرض إسرائيل هى الوطن التاريخى للشعب اليهودي»، وأن دولة إسرائيل هى «الدولة القومية للشعب اليهودي، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعى والثقافى والدينى والتاريخى لتقرير المصير»، كما ينص على أن «القدس الكاملة والموحدة هى عاصمة إسرائيل».

هذا يعنى أن دولة إسرائيل ستتحول إلى «حارة يهودية كبيرة» خالية من «العرب الغرباء» أو وضع هؤلاء الغرباء أو «الأغيار» فى معازل وحارات أخرى خاصة بهم، لكن ولكى تكتمل معالم الحارة فإنهم شرعوا منذ سنوات فى بناء وتشييد أسوار أسمنتية محصنة على ما يعتبرونه حدوداً، قد تكون مؤقتة لدولتهم. أقاموا الجدار العنصرى العازل فى الضفة الغربية الذى قضم معظم أراضى الضفة وألحقها بالكيان الإسرائيلي، وأقاموا جداراً عازلاً على حدودهم مع مصر ومع قطاع غزة ويقيمون الآن جداراً عازلاً على الحدود مع لبنان وهناك سور من الأسلاك الشائكة والمراقبة الإلكترونية على الحدود مع سوريا فى الجولان السورى المحتل وبهذا يكون «الجيتو اليهودي» قد اكتمل فى شكل دولة.

هم يعتبرون أنهم يحصنون «حارتهم» بهذه الجدران، لكنهم للأسف خسروا مشروعاً كانوا يعتقدون أن فى مقدورهم تزعمه، هو مشروع الشرق الأوسط، فإذا كانوا قد كسبوا حارة فإنهم خسروا مشروعهم، وأن هذه الحارة يمكن أن تكون نهايتهم، ولعل هذا ما يفجر الآن المعارضة القوية لقانون الملكية داخل الكيان الصهيونى نفسه، هذه المعارضة تخشى أن يكون الالتزام بهذا القانون هو فى ذاته مشروع تصفيته.

فالقانون من وجهة نظر المعارضين الإسرائيليين أظهر الوجه القبيح للدولة الإسرائيلية، أنهى الأسطورة الزائفة لـ «دولة واحة الديمقراطية» فى الشرق الأوسط وأرسى بدلاً منها معالم دولة عنصرية بغيضة ستمارس بالقانون الفصل العنصرى ضد ما يعتبرونه «أقلية عربية» سواء فى السكن أو بإرساء مسارين منفصلين للمواطنة على أساس الهوية العرقية والدينية، ومن ثم يقدم إسرائيل طواعية «لقمة سائغة للقانون الدولي» الذى يحرِّم العنصرية، ومن ثم يمكن أن يجعل العالم كله فى مواجهة إسرائيل، كما أنه يضع إسرائيل فى مواجهة مع الدول التى توجد بها أقليات يهودية فى ظل تبنى هذا القانون لمضمون «قانون العودة» الإسرائيلى الذى يجعل كل يهودى يعيش فى أى مكان فى العالم «صاحب حق شرعى فى العودة إلى وطنه اليهودي.. إسرائيل».

فقانون «العودة» أو «المواطنة» يمنح المواطنة الإسرائيلية لكل يهودى فى العالم فى حين يحرِّم عودة اللاجئين الفلسطينيين، والأكثر من ذلك أنه يسعى إلى تصفية وجود اللاجئين ذاتهم عبر سياسات مدعومة أمريكياً أبرزها الإصرار على تصفية منظمة «الأونروا» (منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) لا لشىء إلا لأنها تتبنى تعريفاً للاجئ ترفضه إسرائيل وترفضه الولايات المتحدة حيث تتبنى الأونروا تعريفاً للاجئين الفلسطينيين يتضمن اللاجئين الأصليين الذين تشردوا عام 1948 وأبناؤهم وأحفادهم وتحصر عددهم الآن بخمسة ملايين لاجئ، فى حين أن إسرائيل والولايات المتحدة تحصران اللاجئين بمن تشردوا خلال النكبة فقط واستثناء نسلهم من الأجيال اللاحقة.

لقد أسقط «قانون القومية» الإسرائيلى «ورقة التوت المزيفة» عن الكيان الإسرائيلي، لكنه أسقط فى ذات الوقت ورقة التوت عن مشروع السلام الأمريكى الذى يحمل اسم «صفقة القرن» فهو شريك فى مشروع الدولة اليهودية أو «الحارة اليهودية» بجعل القدس عاصمة لإسرائيل والسعى الأمريكى الدءوب لتصفية قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين لكن الأهم أن هذا القانون، أى قانون القومية، فى مقدوره أن يعيد الصراع مجدداً إلى قاعدته الحقيقية التى حرصت أطراف عديدة على طمسها وأن يستعيد الوعى العربى الغائب بحقيقة الصراع لدى أجيال عربية وفلسطينية جديدة ويضعها أمام مسئولية استعادة الحقوق ومحاصرة تلك «الحارة اليهودية» داخل جدرانها الأسمنتية على العكس مما يتوقع الإسرائيليون. فالمحاصرة لتلك «الحارة» هى البداية اللازمة لإعادة تأسيس مشروع عربى - فلسطينى جديد للمقاومة.

نقلا عن الأهرام القاهرية 
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من «جيتو الحارة» إلى «جيتو الدولة» من «جيتو الحارة» إلى «جيتو الدولة»



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon