توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ترامب وسياسة إرباك الحلفاء

  مصر اليوم -

ترامب وسياسة إرباك الحلفاء

بقلم - محمد السعيد إدريس

 كشف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى مؤتمره الصحفى المشترك مع نظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون الثلاثاء الماضى (24 أبريل الحالى) كثيرا من الغموض الذى أحاط بتناقضات السياسة الأمريكية فى سوريا على مدى ما يقرب من شهر كامل مضى. بدأت هذه التناقضات بإعلانه فى خطاب «شعبوي» أمام عمال صناعيين فى أوهايو (29/3/2018) أن «القوات الأمريكية ستنسحب من سوريا قريبا » وزاد على ذلك أمرين؛ أولهما، قوله «فلندع الآخرين يتولونه الآن»، كان يقصد المهام التى تقوم بها القوات الأمريكية فى سوريا، ولم يكن أحد يتوقع وقتها أن ترامب يخاطب الدول الخليجية الحليفة وليس روسيا أو إيران أو تركيا أو الجيش السوري، وهى الأطراف التى تتنازع النفوذ مع الأمريكيين على الأراضى السورية. أما الأمر الثانى فكان حديثه المستفيض عن 7 تريليونات دولار أنفقتها بلاده فى الشرق الأوسط دون تحقيق أي مكاسب، وقال بالحرف «أنفقنا 7 تريليونات دولار فى الشرق الأوسط.. هل تعلمون ما الذى حصلنا عليه لقاء ذلك؟.. لا شىء». لكن سرعان ما تظاهر ترامب بالتراجع عن قرار الانسحاب من سوريا بعد اجتماع مهم لمجلس الأمن القومى الأمريكى أكد أن «المهمة الأمريكية فى سوريا لم تنته بعد» أما الرئيس ماكرون فكان حريصاً على أن يربط بين بقاء القوات الأمريكية في سوريا وبين ضرورة أن تقوم دول أخرى بالمنطقة بدفع تكاليف هذا الوجود الأمريكي.

كان واضحا أن ما يشغل بال ترامب هو ضرورة توفير تمويل للإنفاق على القوات الأمريكية فى سوريا كى تقوم بالوظائف المطلوبة. ولم يشأ ترامب أن يضيع فرصة تعليق أدلى به ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان رفض فيه دعوة انسحاب القوات الأمريكية من سوريا. ففى حديثه الذى أدلى به ولى العهد السعودى لمجلة «تايم» الأمريكية على هامش زيارته للولايات المتحدة أكد الأمير السعودى ضرورة أن تبقى القوات الأمريكية فى سوريا، معتبرا أن ذلك هو «السبيل الوحيد لوقف تمدد النفوذ الإيرانى فى المنطقة»، قرأ ترامب جيداً كلام الأمير السعودى وبدأ ينسج عليه مشروعه لتوظيف «الفزاعة الإيرانية» لسلب المملكة وأشقائها فى الخليج ثرواتها المالية، من هنا جاء الإصرار الأمريكى على العدوان على سوريا تحت غطاء معاقبة الرئيس السورى ونظامه على استخدام أسلحة كيماوية فى مدينة دوما بالغوطة الشرقية. وقتها كثرت التساؤلات حول مقاصد وأهداف هذا العدوان الفاشل والمحدود القيمة. لماذا تسرع ترامب فى شن العدوان، ولماذا لم يقم بعدوان قوى يرضى الحلفاء الإقليميين ومنظمات المعارضة التى كانت تأمل فى «إسقاط النظام».

ولمزيد من الغموض عاد الرئيس الأمريكى ليتحدث مرة ثانية عن عزمه على سحب قواته من سوريا، لكنه تعمد هذه المرة أن يحدث المزيد من الإرباك فى صفوف الحلفاء الإقليميين عندما تم تسريب المعلومات التى تتحدث عن اقتراح أمريكى يقضى بضرورة إرسال قوات عربية من أربع دول عربية هي: السعودية والإمارات وقطر ومصر لتحل محل القوات الأمريكية الموجودة فى سوريا.

أسئلة كثيرة فرضت نفسها مباشرة عقب الترويج لهذه الدعوة الأمريكية منها لماذا شن ترامب عدوانه على سوريا وتحدى المجتمع الدولى مادام أنه عازم على الانسحاب؟ وهل هو على يقين بأن الدول المعنية بدعوته تقبل أن تقوم بوظائف القوات الأمريكية فى سوريا؟ وإذا كانت تقبل هل تقدر على القيام بتلك الوظائف المتشعبة والمتعددة أم أن الرئيس الأمريكى يريد إحراج هذه الدول ووضعها أمام تحديات لا تقدر عليها؟

ترامب لم يكتف بوضع الدول الخليجية الحليفة فى موضع حرج بإظهار عجزها بالدليل القاطع على أن تدافع عن مصالحها فى سوريا، لكنه تحدث فى مؤتمره الصحفى المشار إليه مع الرئيس الفرنسى عن «وجود دول شديدة الثراء فى المنطقة»، وأن بقاء هذه الدول مرهون بالحماية الأمريكية، وتجرأ على القول بأن «هذه الدول لا تستطيع البقاء أسبوعا دون الحماية الأمريكية وبدرجة أقل الفرنسية»، وندد ترامب بتردد قادة دول الخليج فى إعطاء الولايات المتحدة ما تريده من أموال لإعادة تحديث البنية التحتية الأمريكية والنهوض بالولايات المتحدة، وانتقد الردود السلبية لقادة هذه الدول على المطالب الأمريكية مشيراً إلى أنهم يقولون: «علينا أن نكون حذرين فى صرف أموالنا». الخطير أن ترامب اختتم كلامه بأنهم (الحلفاء الخليجيين) «سيدفعون»، أى سيدفعون ما يريده، وما يريده ترامب كثير وكثير جداً، ما يريده ترامب كشفه بوضوح أكثر فى اجتماعه بواشنطن مع الوفد السعودى برئاسة الأمير محمد بن سلمان وسجلته بالصوت والصورة محطة «سي.إن. إن» الأمريكية. قال ترامب أن «ولى العهد السعودى يعرف تماماً كم هى ثروة المملكة العربية السعودية، وأن لهم أكثر من 25 ألف مليار دولار (25 تريليون دولار) فقط فى المصارف الأمريكية»، وقال أن إعطاء السعودية 400 مليار دولار أو إضافة 400 مليار دولار أخرى للولايات المتحدة لا تمثل شيئا بالنسبة لهذه الثروة السعودية، وقال بوضوح «يجب على صديقى ولى العهد السعودى أن يقوم بضخ 5 آلاف مليار دولار فى الولايات المتحدة من أجل الاستثمارات ومن أجل شراء معدات أمريكية، ومن أجل الاشتراك فى مشاريع تحتاج أمريكا إلى سيولة لتنفيذها»، مشيرا إلى أن وزير الخزانة الأمريكى قال أن 5 آلاف مليار دولار ستجعل الاقتصاد الأمريكى أقوى مرتين من وضعه الحالي»، وتحدث عن استعداد واشنطن لتقديم الحماية الكاملة ضد الخطر الإيرانى وجعل الجيش السعودى من أقوى الجيوش فى المنطقة وإمداده بأحدث ما فى الترسانة العسكرية الأمريكية من أسلحة خاصة الطائرات وصواريخ الباتريوت من طراز «باك - 16» وليس «باك- 9».

ترامب يريد 5 تريليونات دولار من السعودية وحدها. وهو يعرف ما يقول يعرف أن هذا المبلغ يساوى تقريبا التقديرات الأمريكية الأولية للأموال التى يمكن أن تدفعها السعودية للولايات المتحدة إذا فعلت واشنطن قانون «جستا» الذى يتهم دول الخليج بدعم الإرهاب ويطالبها بدفع تعويضات لأسر ضحايا هجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001.

ترامب يمارس إذن الابتزاز، ومطالبته الدول الخليجية بإرسال قوات عربية إلى سوريا تأتى ضمن هذا الابتزاز، لأنه لن ينسحب من سوريا لمصالح أمريكية مؤكدة وليس لإرضاء الدول الخليجية، هو يريد أن يحصل على أثمان الحماية الأمريكية للدول الحليفة، وحاول ذلك مع كوريا الجنوبية مؤخراً، فهل تملك الدول العربية إرادة كوريا الجنوبية فى الرد على ترامب؟ هذا هو التحدي.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترامب وسياسة إرباك الحلفاء ترامب وسياسة إرباك الحلفاء



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon