بقلم - محمد السعيد إدريس
على الرغم من أن اتفاق السلام الأردني- الإسرائيلي (اتفاق وادي عربة- 26/11/1994) قد نص على حق الأردن في استرداد منطقتي الباقورة (الواقعة شمال شرق نهر الأردن بمحافظة إربد) والغمر (منطقة حدودية أردنية تقع ضمن محافظة العقبة في جنوب الأردن) بعد انقضاء 25 عاماً من توقيع تلك الاتفاقية شرط أن تبلغ الحكومة الأردنية السلطات اٌلإسرائيلية بهذه الرغبة في استرداد القطعتين قبل عام من انقضاء مدة الـ 25 عاماً، وهذا ما فعله الأردن، وعلى لسان الملك عبد الله، إلا أن القرار الأردني كان له وقع الصدمة على الحكومة الإسرائيلية وسلطات الاحتلال لأسباب كثيرة أبرزها أن ما يربط الأردن الآن بإسرائيل من اتفاقيات وعلاقات حميمية واسعة أمنية وعسكرية واستخباراتية واقتصادية تفوق قدرة الأردن على تحمل تبعات أى هزات سلبية في هذه العلاقات.
الصدمة الإسرائيلية السريعة والتلقائية عبر عنها بوقاحة وفجاجة وزير الزراعة الإسرائيلي أوري ارئيل الذي قرر سريعاً معاقبة الأردن بقطع المياه الإسرائيلية عن العاصمة الأردنية، (أي تعطيش الأردنيين). وشاركت فرق السياسيين والإعلاميين اليمنيين العزف على معزوفة تهديد الأردن، لكن الرد الإسرائيلي غير العفوي والمدروس كتبه «آريه الداد» في صحيفة «معاريف» تحت عنوان: «رجاء إلغوا اتفاق أوسلو» في تعليقه على القرارات الأخيرة التي أصدرها المجلس المركزي الفلسطيني في اجتماعه الأخير في رام الله (27/ 10/2018) وخاصة قرار تعليق الاعتراف الفلسطيني بدولة إسرائيل إلى حين التزامها بدولة فلسطين وقرار وقف التنسيق الأمني معها بكل أشكاله وانفكاك الاقتصاد الفلسطيني عن نظيره الإسرائيلي.
ففي معرض استعراضه لما يعتبره «مساوئ أوسلو» بالنسبة للإسرائيليين ودعوته إلى العودة إلى فرض سلطة الاحتلال على كامل الضفة الغربية، والشروع في ضم وتهويد الجزء الأكبر منها إلى جانب القدس كاملة، تحدث هذا الكاتب بازدراء عن اتفاق السلام مع الأردن ملمحاً باستياء شديد للقرار الأردني باسترداد منطقتي الباقورة والغمر فقال: «الأردن حقاً مثير للاشمئزاز في السنة الأخيرة. الملك عبد الله يعرف بالضبط كم هو متعلق بنا: بالمياه، بالغاز الطبيعي، بالأمن والاقتصاد، ولكنه يحرص على أن يستخدم ضدنا الإلغاء السياسي، والتنديد بنا في كل محفل دولي، ومحاولة جرنا إلى لاهاي (محكمة العدل الدولية لبحث مسألة الباقورة والغمر)، واتهامنا بتدنيس القدسية في الحرم (القدسي) ويُقسم ألا يجدد تأجير الأراضي في تسوفر ونهاريم (الباقورة والغمر)، ونحن نمسح البصاق ونسكت»، ثم يستطرد في انتقاد الموقف الحكومي الإسرائيلي الصامت على ما يعتبره تجرؤ وإهانات أردنية لإسرائيل مستنكراً ما يعتبره حججاً إسرائيلية للإبقاء على العلاقة مع الأردن، على الأقل على اتفاق السلام معه.
من بين أسباب الصدمة الإسرائيلية من القرار الأردني أيضاً أنه جاء، من وجهة نظر الإسرائيليين، في التوقيت غير المناسب، وفي المناخ غير المناسب. فالقرار الأردني باسترداد القطعتين من إسرائيل، وما يمكن أن يحدثه هذا القرار من تداعيات لم يجئ في زمن يسمح بتمرد أي من الشركاء العرب على إسرائيل، حيث الانحياز الأمريكي المطلق لمشروع السلام الإسرائيلي الذي يقوم على قاعدة أن الأرض من النهر إلى البحر ليست إلا لشعب واحد هو الشعب اليهودي، وأن الدولة كلها هي دولة الشعب اليهودي، وأن القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية للدولة اليهودية، وهو أيضاً زمن الإفصاح العربي العلني عن ما هو أعمق من الصداقات مع إسرائيل، صداقات تتحول إلى تحالفات أمنية ضد العدو الإيراني المشترك، وشراكات تتحول إلى مشاريع استثمارية تجاوزت ما هو تقليدي إلى ما هو إستراتيجي مثل مشروع الربط بين إسرائيل والدول العربية في الخليج بخط سكك حديدية حمله معه وزير النقل والاستخبارات الإسرائيلية في زيارته للعاصمة العمانية مسقط.
هناك سبب ثالث للصدمة الإسرائيلية هو أن هذا الزمن، من وجهة النظر الإسرائيلية، هو زمن ضم الأراضي المحتلة وليس الانسحاب منها. ففي فلسطين المحتلة يحظى مشروع الضم بكل الأولوية الآن، أي ضم المنطقة (جـ) من الضفة التي تشكل 60% من مساحتها إلى السيادة الإسرائيلية، أما الجزء الباقي (المنطقتان أ، ب) فليس لهما من خيار إلا الحكم الذاتي أو الانضمام إلى الأردن في علاقة كونفيدرالية. وما ينطبق على الضفة الغربية يسري على الجولان السوري المحتل منذ عام 1967، الذي تم ضمه بقرار إسرائيلي منفرد عام 1982. فإسرائيل تسعى الآن، بدعم أمريكي كامل للحصول على اعتراف دولي بهذا الضم، بحيث يصبح الجولان أرضاً إسرائيلية دون منازعة من سوريا. ووفقاً لهذا المنظور يبدو أن الإسرائيليين كانوا يسعون لفرض السياسة نفسها على الأردن، بوضع نهاية لأي محاولة أردنية لاسترداد هاتين المنطقتين.
لهذه الأسباب جاءت «الصدمة» الإسرائيلية من القرار الأردني بعدم التمديد لسيطرة إسرائيل على منطقتي الباقورة التي احتلها الإسرائيليون في عملية توغل داخل الأراضي الأردنية عام 1950، والغمر التي احتلها الإسرائيليون من بين الأراضي التي كان احتلالها بعدوان عام 1967 وخلال مفاوضات السلام الأردنية- الإسرائيلية وافق الأردن على إبقاء هذه الأراضي لمدة 25 سنة تحت سيطرة الإسرائيليين مع اعترافهم، في الوقت نفسه، بسيادة الأردن عليها، بذريعة أن الإسرائيليين أقاموا فيها بنى تحتية ومنشآت زراعية. والواضح أنهم في طريقهم لإعلان رفض القرار الأردني، فإذا كان الأردن قد أعلن على لسان وزيرة الدولة للإعلام «تلقى طلبا من إسرائيل للبدء بمشاورات حول ملحقي الباقورة والغمر، فإن رد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نيتانياهو على الطلب الأردني كان قوله إنه «يريد التفاوض مع الأردن لإبقاء الوضع الحالي كما هو» أي التمديد لـ 25 سنة أخرى من السيطرة الإسرائيلية التي تمهد لفرض السيادة الإسرائيلية. والسؤال المهم بهذا الخصوص هو: كيف سيكون الرد الأردني إذا رفض الإسرائيليون إعادة هذه الأرض الأردنية المحتلة بالأمر الواقع. السؤال مهم لأن فرضية الذهاب إلى محكمة العدل الدولية للفصل في النزاع ربما لا تكون كافية لاسترداد الحقوق ومن ثم يجب أن تكون لدى الأردن خيارات أخرى: هل سيستلم أخذاً بمقولة أن هذا زمن الاستسلام أم سيقاوم؟
السؤال والإجابة يفتحان أبواب مصائر باقي الأرض العربية المحتلة على مصراعيها في زمن تراه إسرائيل زمن الخضوع العربي.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع