توقيت القاهرة المحلي 10:44:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تداعى فرص نيتانياهو التاريخية

  مصر اليوم -

تداعى فرص نيتانياهو التاريخية

بقلم - محمد السعيد إدريس

يبدو أن بنيامين نيتانياهو رئيس الحكومة اليمينية الإسرائيلية سيجد نفسه مضطراً للتراجع عن رهانه الذى مضى عليه عام تقريباً عندما اعتبر أن إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تخلق لإسرائيل »به على أنقاض كل حقوق الشعب الفلسطينى فى أرضه ووطنه. كان نيتانياهو معذوراً فى تسرع حساباته، فقد فاجأه ترامب بقرارين صادمين تجاوزا ما كان يحلم به على مدى سنوات ثمان قضاها فى صدام حولها مع الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما.

القرار الأول هو الاعتراف بالقدس عاصمة كاملة وموحدة وأبدية لدولة إسرائيل، والقرار الثانى هو الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى الموقع مع إيران فى يوليو 2015 وإصدار ما يمكن وصفه بأنه «أشد عقوبات» فى التاريخ هدفها إسقاط النظام الحاكم فى طهران، أو على الأقل ترويض هذا النظام وإجباره على الرضوخ لكل مطالب ترامب وحلفائه: «التوقيع على اتفاق نووى آخر بديل» يؤمِّن كل مخاوف إسرائيل من امتلاك إيران قدرات نووية فى يوم من الأيام، كى تبقى إسرائيل هى وحدها الدولة التى تحتكر امتلاك السلاح النووى فى الشرق الأوسط.

هذان القراران أفقدا نيتانياهو صوابه وجعلاه يصول ويجول فى جموحه وتطرفه وانتهى به المطاف إلى إصدار ما يسمى «قانون القومية» الذى يهدف إلى فرض السيطرة اليهودية الكاملة على كل أرض فلسطين، وجعلها ملكية حصرية للشعب اليهودى الذى له وحده الحق فى تقرير المصير، ما يعنى التصفية الكاملة للقضية الفلسطينية ووضع الشعب الفلسطينى أمام أحد خيارين: إما القبول بحكم ذاتى مدنى داخل دولة إسرائيلية كأقلية معدومة الهوية ومعدومة الحقوق السياسية فى مساحة محدودة من الأرض تقبل بها إسرائيل لا تتجاوز المنطقتين (أ و ب) من اتفاق أوسلو، وإما الدخول فى كونفيدرالية مع الأردن شرط أن تتحول المنطقة (جـ) فى اتفاق أوسلو والبالغة نحو 60% من أراضى الضفة إلى السيادة الإسرائيلية ويتم تهويدها كاملاً.

فرصة نيتانياهو التاريخية، أو «الزمن التاريخي» أخذ يداعب خيال نيتانياهو خصوصاً بعد ما وجده من توافقات مع دول عربية لتطوير علاقات مشتركة على قاعدة «العداء لإيران»، لكن نيتانياهو وفى ذروة نشوة تلمسه الحلم وجد نفسه مضطراً لتجرع مرارة «الهزيمة المكبوتة» فى غزة ووجد نفسه أمام خيارات داخلية شديدة الصعوبة سواء إزاء الرد الضرورى على الانكسارة التى واجهت الجيش الإسرائيلى أمام المقاومة على أرض غزة أو إزاء الانقسام الشديد ليس فقط داخل الحكومة بل داخل المجتمع الإسرائيلى نفسه حول ذلك الرد وحول الائتلاف الحكومى ومستقبله بعد استقالة وزير الحرب أفيجدور ليبرمان اعتراضاً على قرار الحكومة المصغرة «الكابينيت» على قبول قرار بالتهدئة مع حركة «حماس» قامت مصر بالدور الرئيسى فى تحقيقه.

الموقف الذى فرضته مواجهات الأربعين ساعة التى حدثت فى غزة (11/11و13/11/2018) على رئيس الحكومة الإسرائيلية هو «العجز» أمام أصعب سؤالين فرضتهما المقاومة الفلسطينية فى غزة على نيتانياهو أولهما: هل تلجأ إسرائيل إلى خيار الحرب الموسعة ضد قطاع غزة لاستعادة ما فقدته إسرائيل فى تلك المواجهة من «انكسار قدرة الردع الإسرائيلية» أم تقبل بخيار الضربات المتقطعة، أم ترضى بخيار التهدئة؟

وثانيهما: هل يقبل بخيار حل الحكومة وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة قبل أن يجد نفسه أمام واقع انفراط الحكومة من خلال انسحابات متتالية للأحزاب والكتل المشاركة فى الائتلاف الحاكم، أم سيكون فى مقدوره أن يحكم بحكومة «الحد الأدنى» بكل ما يعنيه ذلك من ضعف، وما يمكن أن يكرّسه من تجاوزات لفرصته فى أن يكون الشخص الذى سيكلف مستقبلاً برئاسة الحكومة الجديدة على ضوء تطلعات منافسه داخل الليكود رفيقه جدعون ساعر الطامح إلى رئاسة الحكومة بدعم من رؤوبين رفلين رئيس الدولة؟

حاول نيتانياهو تسريب أسباب مغلوطة لقبوله قرار التهدئة ورفضه قرار الحرب الواسعة ضد غزة من هذه الأسباب حرصه على عدم إفشال فرصة الرئيس الأمريكى لطرح مشروعه للسلام الذى يحمل اسم «صفقة القرن» ومنها حرصه على عدم تعكير الأجواء الدبلوماسية الراهنة مع الدول العربية خصوصاً أنه يستعد لزيارة دولة خليجية ثانية بعد سلطنة عمان. هو يخشى أن تؤدى أجواء مثل تلك الحرب إلى تعكير صفو علاقاته مع حلفائه أو شركائه الجدد من العرب، ومنها خشيته من أن تؤدى مثل تلك الحرب إلى تعرض قطاع غزة لكوارث أمنية إذا ما أسقطت سلطة «حماس»، خصوصاً أنه «ليس هناك من هو على استعداد لإدارة الأمور فى القطاع إذا ما سيطرت عليه القوات الإسرائيلية». لكن الحقيقة وراء قبول نيتانياهو بـ «قرار التهدئة» والصمود أمام أجنحة تيار اليمين المتشدد وزعمائه خاصة أفيجدور ليبرمان زعيم حزب »إسرائيل بيتنا« وزير الدفاع ونفتالى بينيت وزير التعليم زعيم «البيت اليهودي» وأغلبية الجمهور اليمينى المطالبين بقطع رأس قطاع غزة وإعادة احتلاله هى العجز العسكرى عن فرض هذا الخيار.

الثمن العسكرى الباهظ لخيار اجتياح قطاع غزة ناهيك عن الثمن السياسى والمعنوى الباهظ أيضاً لأى حرب جديدة على غزة كان الخلفية الحقيقية لرفض مثل هذا الخيار على نحو ما أكدته صحيفة «يديعوت احرونوت» فى وثيقة سرية كتبها قائد غرفة العمليات فى الجبهة المركزية الجنرال الوف مندس نشر فيها «الغسيل القذر» للجيش الإسرائيلي، وكشف فيه حجم المعارك بين الجنرالات وتآكل القيم العسكرية، والخوف من إبداء الرأي، ونظريات العمل الخاطئة ، فضلاً عن استشراء الفساد وإخفاء الأخطاء، وهى كلها أسباب فرضت على رئيس الحكومة وقيادة الجيش الإيحاء بأن «رؤية إستراتيجية واستجابة لمطالب إقليمية ودولية» تقف خلف ترجيح رأى المعارضين لخيار اجتياح غزة، لكنها الحقيقة التى تؤكد تداعى فرصة نيتانياهو التاريخية، فما اعتبره انتصارات يتحول بفعل عوامل ذاتية وموضوعية إلى انتكاسات وانكسارات وهذا ما لم يتعلمه نيتانياهو من التاريخ ودروسه، ويبدو أنه لن يتعلمه.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تداعى فرص نيتانياهو التاريخية تداعى فرص نيتانياهو التاريخية



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
  مصر اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon