توقيت القاهرة المحلي 11:05:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تفاهمات ملء فراغ الانسحاب الأمريكى

  مصر اليوم -

تفاهمات ملء فراغ الانسحاب الأمريكى

بقلم - محمد السعيد إدريس

كشفت التطورات المتسارعة للأحداث منذ إعلان الرئيس الأمريكى قراره سحب قوات بلاده من سوريا، كما كشفت ردود الفعل المضطربة لكل الأطراف المعنية أو بالتحديد المتورطة فى هذه الأزمة عن حقيقتين مهمتين أولاهما: أن القوات الأمريكية فى سوريا، رغم أنها كانت محدودة العدد والعتاد (2500 عسكرى ومدرب) فإن ثقلها الفعلى والمعنوى كان كبيراً ويفوق بكثير عددها، وأن غيابها سوف يزعزع توازن القوى بين كل هذه الأطراف، ومن ثم بات كل طرف منها معنياً بتحديد مواقع أقدامه الجديدة وإلى أين يمكن أن يتمدد، وما هى أهدافه فى سوريا ابتداءً من الآن.

وثانيتهما أن الأطراف أو القوى الدولية والإقليمية التى استطاعت أن تؤسس شراكة عسكرية- سياسية فيما بينها داخل سوريا وبالتحديد الثلاثي: الروسي- التركي- الإيرانى افتقدت أهم عوامل، أو أهم دوافع ومبررات استمرار تلك الشراكة. وإذا كان هذا هو حال الأطراف التى كانت مناوئة للوجود العسكرى الأمريكى فى سوريا فإن حال حلفاء واشنطن داخل سوريا لم تكن ردود فعلهم أقل وطأة وبالتحديد إسرائيل والميليشيات الكردية الحليفة للولايات المتحدة «قوات سوريا الديمقراطية».

أفضل من لخص حال هذه الأطراف كان الكاتب الإسرائيلى «أيال زيسر» فى صحيفة «إسرائيل اليوم»، الذى اعتبر أن الانسحاب الأمريكى من سوريا «سيؤدى إلى حرب الكل ضد الكل».

فقد خلص أيال زيسر فى مقاله الذى خصصه للتداعيات المحتملة للانسحاب الأمريكى من سوريا، إلى نتيجة أو خلاصة شديدة المرارة فى تعليقه على حال الميليشيات الكردية التى دربتها وسلحتها واشنطن للقتال ضد «داعش» ثم تركتها دون سابق إنذار معلقة فى الهواء دون حليف قال فيها «لقد استعملهم الأمريكيون وألقوا بهم» وزاد على ذلك بالقول: «القوة العظمى تستخدم حلفاءها عندما تخدم الأمور مصالحها، ولكنها فى الغالب تتركهم لمصيرهم عندما لا تكون لها حاجة بهم».

الإسرائيليون يعيشون الآن هذا الهاجس، وهذا ما اهتم أيال زيسر بالحديث عنه بالإشارة إلى أنه «إذا كانت الولايات المتحدة صديقة وحليفة أولى لإسرائيل، فإن لهذه الصداقة قيودا واضحة، وأنه من الصعب الافتراض بأن الولايات المتحدة ستكون حقاً مستعدة لإرسال قوات لتقاتل إلى جانب إسرائيل إلا إذا كانت هناك مصلحة أمريكية». ولعل هذا الاستنتاج المبكر ربما هو الذى فرض على الإسرائيليين أن يقاتلوا باستماتة من أجل استرجاع الثقة والتنسيق المشترك مع روسيا فى سوريا إلى سابق عهده وتجاوز الآثار السلبية لحادثة سقوط طائرة الاستطلاع الروسية «إيليوشن 29» أمام السواحل السورية التى حمَّلت موسكو إسرائيل مسئولية سقوطها.

وإذا كانت إسرائيل قد بذلت جهوداً ووساطات هائلة من أجل استرجاع التفاهمات السابقة مع روسيا فى سوريا إلى سابق عهدها، فهناك من يؤكدون أن الانسحاب الأمريكى من سوريا ما كان له أن يتم دون تنسيق أمريكي- مع روسيا بخصوص الكثير من الملفات وفى مقدمتها تفاهمات هلسنكى (يوليو 2018) بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ونظيره الروسى فلاديمير بوتين التى تركز على حماية أمن ومصالح إسرائيل من خلال سماح موسكو لإسرائيل بتوجيه ضربات قوية للحشود والمعدات والمواقع الإيرانية ولحلفاء إيران فى سوريا خاصة «حزب الله»، إلى جانب تعهد موسكو بإبعاد القوات الإيرانية وحلفائها بعيداً عن الحدود مع إسرائيل فى هضبة الجولان السورى المحتل لمسافة 100 كم. ويبدو أن إسرائيل نجحت بقوة فى هذا المسعي، فالاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا التى وقعت بعد أقل من يومين من إعلان ترامب سحب قوات بلاده من سوريا، كان من المستحيل أن تحدث دون ضوء أخضر روسي.

وإذا كانت تركيا قد حصلت على تفويض من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للقيام بدور «الوكيل» أو «المعتمد» الجديد لحماية المصالح الأمريكية ومصالح حلفاء واشنطن فى سوريا، ومن ثم يمكن اعتبارها الطرف الفائز من الانسحاب الأمريكي، وأنها بات فى مقدورها أن تعيد حساباتها مع موسكو وأن تؤسس لتفاهمات جديدة تركية- روسية تتقاسم فيها البلدان مناطق النفوذ والسيطرة، كما تتقاسمان مسئولية رسم معالم التسوية السياسية فى سوريا من خلال الدستور الجديد، حسب ما كشفت اجتماعات موسكو الرباعية لوزراء خارجية ودفاع روسيا وتركيا السبت الماضى (29/12/2018) فإن إيران، على ما يبدو هى الطرف الذى أضحى معنياً بدفع الأثمان على عكس الكثير من التوقعات سواء فى علاقتها مع روسيا أو حتى فى علاقتها مع سوريا، وهذا ما يفسر توجسات طهران من قرار الانسحاب الأمريكى فى ظل ما تتوقعه من تفاهمات روسية أمريكية وأخرى روسية- إسرائيلية، وثالثة روسية- تركية وربما روسية مع سوريا تخص وضع دمشق بين خيارين: إما روسيا وإما إيران فى حال وصول العلاقة بين موسكو وطهران إلى مستوى صدام المصالح نتيجة المتغيرات والتفاهمات الجديدة المترتبة على الانسحاب الأمريكي.

لدى إيران توجسات كثيرة من تلك التفاهمات التى جوهرها ملء فراغ الانسحاب الأمريكى واقتسامه بالتحديد بين روسيا وتركيا وإسرائيل. من أبرز هذه التوجسات أن يكون الانسحاب الأمريكى استعداداً لعدوان أمريكى يجرى الإعداد له ضد إيران، أو أن يكون هدفه إخراج إيران من سوريا بناء على تفاهمات روسية- تركية برعاية أمريكية وتحفيز إسرائيلي، أو أن يؤدي، على الأقل، إلى رفع وتيرة الأعمال العسكرية التركية فى شمال سوريا وما يمكن أن يترتب عليه من تأزيم للعلاقات بين الثلاثي: روسيا وتركيا وإيران.

ما يزيد من توجسات طهران موجة العودة العربية إلى سوريا وبالذات من دول عربية على خلاف شديد معها. فطهران تدرك أن هذه العودة هى حتماً محصلة تفاهمات متعددة الأطراف لملء فراغ الانسحاب الأمريكى ، وأنها هى المعنية قبل غيرها بدفع أثمانها.

هل يمكن أن تنسحب إيران من سوريا؟

سؤال شديد التعقيد ويتوقف على ما إذا كان هذا الانسحاب إرادياً أم قسرياً، عندها يمكن أن تكون التداعيات ملتبسة، وربما يكون هذا كله أحد أهم أهداف انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، عندها سيكون ملف العلاقات الإيرانية الروسية أبرز الملفات التى سيفرض على طهران أن تتعامل اضطرارياً معها لمواجهة تطورات درامية فى علاقاتها الإقليمية.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تفاهمات ملء فراغ الانسحاب الأمريكى تفاهمات ملء فراغ الانسحاب الأمريكى



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon