بقلم : محمد السعيد إدريس
ربما يعتقد البعض، أن شركاء روسيا فى سوريا هم فقط النظام السورى وإيران وربما تركيا. إسرائيل هى الأخرى شريك لروسيا فى سوريا، ولكنها شريك من نوع مختلف، هناك خريطة مصالح روسية- إسرائيلية مشتركة فى سوريا قوامها القبول الإسرائيلى بتمكين روسيا من فرض مشروعها الذى تريده فى سوريا، مقابل الحيلولة الروسية دون تعريض أمن إسرائيل للخطر من جراء تطورات وتداعيات الأزمة السورية، وفى مقدمة هذه التداعيات تضخم النفوذ السياسى والوجود العسكرى لإيران وحلفائها فى سوريا وهو الأمر الذى ترفضه إسرائيل رفضاً مطلقاً، وبسببه جرى الحديث عن صفقة إسرائيلية مع روسيا برعاية ودعم أمريكيين تكشفت فى قمة بوتين- ترامب فى هلسنكى (يوليو الماضي) تتضمن مقايضة قبول إسرائيل بالتمكين الروسى فى سوريا ولبقاء الرئيس بشار الأسد ضمن معادلة سوريا المستقبلية بإخراج إيران من سوريا. وأيا كانت درجة صدقية هذه الصفقة فإن الإقرار الروسى بوجود قناة اتصال مع إسرائيل لمنع التصادم العسكرى بين البلدين فى الأجواء السورية، يعد تأكيداً لجديتها، وعلى ضوئه اعتادت روسيا أن تغض النظر عن الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية بالطائرات أو بالصواريخ داخل الأراضى السورية، وبالتحديد ضد القوات الإيرانية وحلفائها، وبدت فى بعض الأحداث تعتبر نفسها غير مضطرة إلى التوضيح، لا تلميحاً ولا تصريحاً، إزاء بعض الاعتداءات الإسرائيلية التى تستلزم مواقف روسية محددة خاصة تلك الاعتداءات على مواقع وأهداف عسكرية سورية وليس فقط إيرانية. تأكيداً لذلك جاء التصريح الصادم للسفير الروسى فى إسرائيل الذى أعلن فيه أن بلاده «تعطى أولوية خاصة لأمن إسرائيل»، كما أشار إلى أن «موسكو لن تتدخل لمنع إسرائيل من شن مزيد من الغارات ضد أهداف إيرانية فى العمق السوري»، ومحدداً لموقف رسمى واضح أن بلاده «لا تستطيع أن تملى على إسرائيل كيفية التصرف، وليس من شأن روسيا أن تمنح إسرائيل حرية القيام بأى شىء، أو منعها من القيام بأى شىء». ومن هنا جاء توضيح الجنرال الروسى المتقاعد ميخائيل ايفانشوف مدير الأكاديمية الروسية للقضايا الجيو- سياسية بأن «موسكو عند تنفيذ تعاونها العسكرى مع حلفائها فى سوريا وإيران تأخذ بعين الاعتبار مصالح إسرائيل وأمنها، لأنها تبقى عينها عليها، نظراً لوجود مليون يهودى من أصل روسي».
وإذا كانت روسيا سبق أن صدمت فى الشريك التركى قبل أن يصبح شريكاً معترفاً به من جانب روسيا فى الجهود المشتركة لحل الأزمة السورية عندما أسقطت تركيا طائرة روسية من طراز «سوخوي- 24» على الحدود الشمالية السورية مع تركيا فإنها فجعت مؤخراً فى علاقتها مع إسرائيل عندما اكتشفت، وباعتراف وزارة الدفاع الروسية رسمياً، بأن إسرائيل هى الطرف المسئول عن كارثة سقوط طائرة الاستطلاع الروسية «إيل- 20» قبالة مدينة اللاذقية على السواحل السورية التى راح ضحيتها 15 عسكرياً روسياً. فى البداية حصل ارتباك فى الموقف الروسي، ففى الوقت الذى أعلن فيه الجيش الروسى أن «الطائرة أسقطت بطريق الخطأ من قبل قوات الدفاع الجوى السورية لأن مقاتلات (إف 16) الإسرائيلية التى كانت تقوم بقصف أهداف فى محافظة اللاذقية كانت تختبئ وراء الطائرة الروسية». وحمَّل الجيش الروسى فى بيانه إسرائيل مسئولية سقوط هذه الطائرة فى أثناء تحليقها ليل الاثنين صباح الثلاثاء (17-18/9/2018) بسبب استفزازاتها المعادية وعدم إبلاغها الجانب الروسى مسبقاً بعمليتها التى نفذتها على اللاذقية، ومعتبراً أن «إسرائيل لم تتقيد بالاتفاق الثنائى الروسي- الإسرائيلى حول تفادى الحوادث الخطيرة فى سوريا». جاء موقف الرئيس الروسى فلاديمير بوتين هادئاً وحريصاً على عدم التصعيد ضد إسرائيل فقد وصف الحادث بأنه «يبدو على الأرجح عبارة عن سلسلة من الظروف المأساوية، لأن طائرة إسرائيلية لم تسقط طائرتنا». بوتين كان فى مأزق أمام الرأى العام الروسي، بين الحليف السورى الذى أسقط، عن طريق الخطأ، الطائرة الروسية، وبين الشريك الإسرائيلى الذى قد يكون مسئولاً مسئولية غير مباشرة عن سقوط هذه الطائرة لعدم التزامه بالقواعد الصارمة للتنسيق المشترك بين البلدين. كان بوتين يحاول تمرير الأزمة أمام شعبه لحسابات كثيرة خاصة مع إسرائيل فى ظروف التوتر الشديد بين روسيا والولايات المتحدة فى سوريا فى ظل المخططات الأمريكية الجديدة لإفشال نجاحات روسيا فى سوريا، لكن بعد صدور تقرير التحقيق الرسمى لوزارة الدفاع الروسية فى الحادث يوم الأحد الماضى (23/9/2018) وبعد الاطلاع على المعلومات الإسرائيلية، وهو التقرير الذى أكد مسئولية إسرائيل عن الحادث سيكون موقف بوتين شديد الحرج ليس فقط أمام الرأى العام الروسى ولكن أيضاً مع الشركاء الآخرين فى سوريا خاصة إيران والنظام السوري. أصبح الأمر أكثر تعقيداً بالنسبة للرئيس الروسي، وهذه المرة أمام الجيش الروسى وكرامته. فقد حمَّلت وزارة الدفاع الروسية فى بيانها إسرائيل مسئولية إسقاط طائرتها «إيل 20»، واتهمت سلاح الجو الإسرائيلى بتقديم معلومات مضللة للقوات الروسية قبل الغارة التى شنتها على أهداف سورية قرب اللاذقية. فقد أوضح البيان أن إسرائيل اتصلت بروسيا قبل دقيقة واحدة من شن غارتها على منشآت صناعية قرب اللاذقية- غرب سوريا، فى حين أن المعلومات الإسرائيلية تحدثت عن هجوم على مواقع شمال سوريا، ما يعنى أمرين: أولهما أن الطرف الإسرائيلى قام بإخبار القوات الروسية ليس بشكل مسبق بل تزامناً مع بدء الغارات، وثانيهما أن الغارات لم تحدث شمال سوريا كما قالت المعلومات بل غربها عند اللاذقية، وأيضاً عكس تلك المعلومات وهو ما حال دون تمكين قائد الطائرة الروسية من الانسحاب خارج منطقة العمليات حيث كان يوجد واعتبر البيان الروسى أن ما حدث يدل على أن تصرفات المقاتلات الإسرائيلية، تدل إما على عدم مهنيتهم، أو على الأقل على الاستهتار الإجرامي»، واستنتج البيان أن «روسيا تعتبر أن الذنب والمسئولية فى إسقاط الطائرة الروسية يقع تحديداً وبشكل كامل على القوات الجوية الإسرائيلية وعلى هؤلاء الذين اتخذوا قرار تنفيذ مثل هذه العملية». كيف سيتعامل بوتين مع هذه الإدانة الصريحة لإسرائيل من جانب الجيش الروسي. كان موقف بوتين شديد الحسم مع تركيا عندما أسقطت طائرة «السوخوي- 24» فكيف سيتصرف مع إسرائيل بعد تحميلها رسمياً مسئولية تحطم الطائرة «إيل 20» الروسية، أم أن لبوتين حسابات أخرى مع إسرائيل، وكيف سيواصل تحالفه مع طهران ودمشق فى ظل التزاماته بتلك الحسابات؟