توقيت القاهرة المحلي 22:20:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سياسات ترامب وخيار «أوروبا قوة عالمية»

  مصر اليوم -

سياسات ترامب وخيار «أوروبا قوة عالمية»

بقلم - محمد السعيد إدريس

عندما وصفت صحيفة «صانداى تايمز» البريطانية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بأنه «ثور هائج فى متجر خزف» فى مقال للكاتب دانيال فيرجسون تعليقاً على الإرباك الذى أحدثه ترامب فى القمة الأخيرة للدول السبع الصناعية الكبرى كانت تلمح إلى مدى الخطر الذى يتهدد الاتحاد الأوروبى من جراء سياسات أمريكية مفاجئة إذا ما استمرت العلاقة التقليدية التى تربط الاتحاد الأوروبى بالولايات المتحدة، وكانت تريد أن تحفز دول الاتحاد على اتخاذ مبادرات بسياسات بديلة جديدة تعطى الاتحاد الأوروبى قدراً أكبر من الاستقلالية فى تبنى سياسات ورؤى اقتصادية وأمنية لا تنسجم بالضرورة مع ما تريده واشنطن، لكن تباين الرؤى وتعارض المصالح الذى كشفته القمة الأوروبية الأخيرة التى استضافتها المفوضية الأوروبية فى بروكسل (27/6/2018) يؤكد أن طموح «أوروبا الموحدة»، الذى عبر عنه أكثر من مسئول أوروبى كبير خاصة وزير الخارجية الألمانى هايكو ماس، مازالت تحول دونه عقبات، بل إن هناك من هم أكثر تشاؤماً ويتحدثون عن احتمال انفراط رابطة الاتحاد الأوروبي، واحتمال انسحاب دول محورية أخرى من الاتحاد على نحو ما فعلت بريطانيا. هذا الاحتمال الأخير جرت الإشارة إليه على لسان صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية (29/6/2018) عندما كتبت أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عرض على نظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون، عند زيارة الأخير لواشنطن فى أبريل الماضي، الخروج من الاتحاد الأوروبي، على أن يتم التوصل إلى اتفاق تبادل ثنائى مع الولايات المتحدة، ونقلت الصحيفة عن اثنين من المسئولين الأوروبيين أن ترامب قال لماكرون: «لماذا لا تخرج من الاتحاد الأوروبي». لم تتحدث الصحيفة، ولو فى إشارة عابرة، عن رد ماكرون على هذا القول، كما لم تشر إلى دفاع ماكرون فى زيارته تلك لواشنطن أمام الكونجرس الأمريكى عن الموقف الأوروبى الموحد للثلاثي: ألمانيا وفرنسا وبريطانيا من الاتفاق النووى الموقع مع إيران على خلاف الموقف الأمريكى الرافض لهذا الاتفاق، كما أنها لم تركز على أن لقاء ترامب مع ماكرون جرت بعده مياه كثيرة فى مجرى العلاقات الفرنسية- الأمريكية، خاصة صدمة ماكرون ورفاقه فى قمة الدول الصناعية السبع من تصرفات ترامب وإصراره على فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات الأمريكية من منتجات الصلب والألومنيوم من تلك الدول، وهى تصرفات، أدت فى مجملها إلى تباعد فرنسي- أمريكى وتقارب فرنسى مع ألمانيا وبريطانيا وتحفيز هذه الدول على الأخذ بشعار «أوروبا الموحدة» فى مواجهة شعار ترامب «أمريكا أولاً»، على نحو ما عبرت عنه القمة الثنائية بين ماكرون والمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل فى ألمانيا (19/6/2018) التى ناقشت الأساليب والآليات اللازمة لرفع مستوى التنسيق والإجراءات المشتركة لتعزيز وحدة الاتحاد الأوروبى ومنها إنشاء «مجلس أمن» خاص بالاتحاد الأوروبي.

هذا يعنى أن تيار التشاؤم من مستقبل التوحد الأوروبى يمكن أن يتراجع، رغم أن له أسبابه المنطقية أمام ضغوط واستفزازات خارجية، أغلبها أمريكى خصوصاً أن الرئيس الأمريكى لا يفوت مناسبة إلا ويهاجم فيها الاتحاد الأوروبي. كانت آخر هذه الهجمات «الترامبية» على الاتحاد الأوروبى مساء الأربعاء الماضى (27/6/2018) خلال تجمع فى ولاية داكوتا الشمالية عندما قال إن «الاتحاد الأوروبى وجد بالتأكيد للاستفادة من الولايات المتحدة»، وتأتى القمة الأمريكية ـ الروسية المقبلة بين ترامب والرئيس الروسى فلاديمير بوتين يوم 16 يوليو الحالى فى العاصمة الفنلندية هلسنكى لتضع دول الاتحاد الأوروبى أمام تحديات جديدة يمكن أن تتوصل إليها تلك القمة الأمريكية- الروسية، وبالذات السؤال المهم: أين الاتحاد الأوروبى من الهندسة الجديدة التى يجرى إعدادها لقيادة النظام العالمي؟.

هذا السؤال المحورى يثير تحديات صعبة أمام الاتحاد الأوروبى فإما أن يقبل أن يكون قوة تابعة للولايات المتحدة فى اندفاعها نحو تبوؤ قيادة عالمية أحادية أو متعددة الأطراف بمشاركة أطراف دولية كبرى تنازعها القوة مثل الصين وروسيا، وإما أن يكون طرفاً دولياً شريكاً فى قيادة عالمية جماعية متعددة الأطراف تكون أوروبا قادرة من خلالها على حماية مصالحها. هناك حتماً صعوبات أمام القبول الأوروبى بأى من الخيارين فكل منهما له مكاسبه وله أيضاً تكاليفه، لكن التضرر الأوروبى من السياسة الأمريكية التى لا تعبأ بمصالح الشركاء لا على المستوى الاقتصادى ولا على المستوى الأمنى قد يدفع أوروبا إلى قبول التحدى والخوض فى خيار أوروبا الموحدة، والعمل على فرض أوروبا شريكاً فى قيادة عالمية، وربما يؤدى هذا الخيار إلى توجه أوروبا إلى مراجعة سياساتها الأمنية وعلاقاتها مع روسيا على وجه الخصوص.

وإذا كانت القمة الأوروبية الأخيرة فى بروكسل قد شهدت تنازعا حادا حول الموقف من الهجرة غير القانونية واللاجئين بين دول الاتحاد الأوروبي، وصل إلى درجة قول المستشارة الألمانية إن «أوروبا تواجه كثيراً من التحديات، لكن تلك المرتبطة بمسألة الهجرة قد تقرر مصير الاتحاد الأوروبي»، فإن هذه القمة شهدت أيضاً توجهاً أوروبياً فريداً فى مسائل الدفاع الأوروبى المستقل عن حلف شمال الأطلسى (الناتو) حيث أقر القادة الأوروبيون المشاركون بتلك القمة قوائم مشاريع التطوير العسكرية المشتركة بين عدد من هذه الدول، وصندوق الدفاع المشترك و»آلية التعاون الدائمة بين دول الاتحاد لتنفيذ عمليات عسكرية تتوافق مع مقتضيات القانون الدولي»، وكلها مشاريع تأتى على قاعدة التشكك الأوروبى فى النيات الأمريكية من حلف شمال الأطلسى الذى لم يتردد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن وصفه بأنه «سيئ» أمام شركائه فى قمة الدول الصناعية السبع الأخيرة التى عقدت فى كندا.

ضمن هذا الإدراك ستراقب أوروبا قمة ترامب- بوتين فى هلسنكى خاصة أنها ستأتي، أى القمة، عقب مشاركة ترامب للقادة الأوروبيين فى قمة لحلف شمال الأطلسى فى بروكسل (11-12/7/2018) يعقبها قيام ترامب بزيارة إلى بريطانيا. ففى قمة حلف الأطلسى سوف يكون الشركاء الأوروبيون أكثر حرصاً على فهم نيات الرئيس الأمريكى حول «الأمن الجماعي» للشركاء ضمن حلف الناتو وعلاقته بالمصالح الاقتصادية المشتركة، كما ستتابع ترامب فى زيارته لبريطانيا قبل لقائه فى قمة هلسنكى مع بوتين وهى القمة التى من المرجح أن تناقش العلاقات الأمريكية- الروسية إلى جانب ملفات دولية أساسية ومسائل مرتبطة بالأمن القومى للبلدين. نتائج هذه القمة بين ترامب وبوتين ومحصلة جولة ترامب فى أوروبا وسياساته العدوانية ضد أوروبا سوف تساعد دول الاتحاد الأوروبى على حسم خياراتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة وبالتحديد موقف الاتحاد الأوروبى من خيار «أوروبا موحدة» وخيار أوروبا «قوة عالمية».

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سياسات ترامب وخيار «أوروبا قوة عالمية» سياسات ترامب وخيار «أوروبا قوة عالمية»



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon