بقلم : د.محمد السعيد إدريس
ما يحدث فى سوريا الآن هو، بكل المعاني، ممارسات لسياسة «حافة الهاوية» من جانب كل الأطراف دولية كانت أم إقليمية على نحو ما يحدث بين كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وبين روسيا فى ملفات عدة أبرزها اتهامات أمريكية وبريطانية وفرنسية لروسيا بالتستر على انتهاكات الجيش السورى لقرار مجلس الأمن رقم 401 الداعى إلى هدنة لوقف القتال فى الغوطة الشرقية لدمشق، وتهديدات أمريكية وفرنسية وبريطانية بـ «رد حازم مشترك» إذا ما تم تأكيد قيام القوات السورية بشن هجمات كيماوية جديدة، على نحو ما جاء فى الاتصال التليفونى الذى أجراه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع نظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون.
وإذا كانت بريطانيا قد سبقت الجميع على لسان وزير خارجيتها بوريس جونسون بتهديد سوريا بضربات عسكرية فى حال ثبوت استخدام الجيش السورى أسلحة كيماوية (27/2/2018)، فإن فرنسا دفعت بنفسها هى الأخرى بقوة فى غمار التصعيد ضد سوريا. على نحو ما أكد رئيس الأركان الفرنسية الجنرال فرانسوا لوكانتر (16/3/2018) أن فرنسا «قادرة على أن تضرب، بشكل منفرد، فى سوريا إذا تم تجاوز الخط الأحمر الذى حدده الرئيس إيمانويل ماكرون، أى الاستخدام المؤكد للأسلحة الكيماوية».
فى المقابل أعلن رئيس غرفة العمليات فى هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية سيرجى رودسكوى (17/3/2018) أن «ثمة إشارات إلى أن واشنطن تحضر لضربات محتملة بصواريخ مجنحة انطلاقاً من أساطيلها البحرية وتحديداً من شرق المتوسط والخليج والبحر الأحمر»، كما اتهم واشنطن بتدريب مسلحين فى معسكر قرب مدينة «التنف» الواقعة على الحدود السورية- العراقية- الأردنية لتنفيذ عمليات بأسلحة كيماوية وإلصاقها بالحكومة السورية، لخلق ذريعة للضربات الأمريكية»، مشيراً إلى أن هؤلاء المسلحين حصلوا على مواد كيماوية لتصنيع السلاح الكيماوى تحت غطاء المساعدات الإنسانية جنوب سوريا.
قبل ذلك بنحو أسبوعين كانت موسكو قد اتهمت واشنطن باستخدام منطقة «التنف» التى تسيطر عليها قوات «سوريا الديمقراطية» الكردية الموالية لواشنطن كـ «غطاء للجماعات الإرهابية»، على نحو ما جاء على لسان إلكسندر قومين نائب وزير الدفاع الروسى (3/3/2018) الذى اتهم الولايات المتحدة بتحويل «التنف» إلى «محمية للإرهابيين هناك» وأن المسلحين يحصلون على الأسلحة فى تلك المنطقة، ويخططون لهجمات ينطلقون لتنفيذها من هذه المحمية»، مشيراً إلى أن «كل ذلك يجرى تحت إشراف قوات خاصة وتشكيلات عسكرية أمريكية». أما الكسندر بيندكتوف مساعد سكرتير مجلس الأمن القومى الروسى فقد كشف أن «نحو 20 قاعدة عسكرية أمريكية موجودة فى المناطق الخاضعة لسيطرة «وحدات حماية الشعب الكردية فى شمال البلاد وشرقها»، واستنكر ما وصفه بـ«احتلال الولايات المتحدة منطقة تبلغ مساحتها 55 كيلو متراً من دون اتفاق مع دمشق فى التنف».
يحدث هذا فى ظل تصعيد تركى متعمد ضد الحليف الأمريكى على نحو ما جاء على لسان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الذى أدان خطط الولايات المتحدة التى تطمح إلى تشكيل قوة كردية مسلحة، مشيراً إلى أن «الدولة التى كنا نعتبرها حليفاً لنا، تصر على إقامة جيش إرهابى على حدودنا». أردوغان قال ذلك فى الوقت الذى نجحت فيه قواته الغازية فى عملية «غصن الزيتون»، فى اقتحام مدينة «عفرين»، وتسعى للتمدد من غرب الفرات إلى شرق الفرات حيث تتمركز القوات الأمريكية، الأمر الذى قد يؤدى إلى صدامات أمريكية- تركية مازال الطرفان حريصين على تجنبها. ويحدث هذا أيضاً فى ظل استعدادات «إسرائيلية» ضد إيران فى سوريا ليس فقط بدافع الإصرار الإسرائيلى على منع إيران من فرض نفوذ ووجود عسكرى على الأراضى السورية، بل أيضاً بدافع هروب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من احتمال تعرضه للمحاكمة فى قضايا الفساد الكثيرة المتورط فيها. الكل بات على حافة الهاوية مع بعضه البعض، وإذا كانت الولايات المتحدة قد أعلنت أنها «قد تضطر إلى التحرك فى سوريا، فى ظل تقاعس مجلس الأمن فإن الرد الروسى جاء بعد ساعات على لسان وزير الخارجية سيرجى لافروف الذى حذر من أن «أى ضربة عسكرية أمريكية ستكون عواقبها وخيمة»، لكن تصريحات رئيس أركان الجيوش الروسية فاليرى جيراسيسموف جاءت أشد حزماً، إذ أكد أن الجيش «سيرد على أى ضربة أمريكية على سوريا، ومستهدفة أى صواريخ ومنصات إطلاق تشارك فى مثل هذا الهجوم»، تهديد صريح ومباشر وهو الأول من نوعه للولايات المتحدة وقال أن بلاده «لديها معلومات موثقة بأن واشنطن تخطط لقصف دمشق حيث تتمركز قوات روسية، من مستشارين عسكريين وأفراد من الشرطة العسكرية ومراقبين لوقف إطلاق النار».
وإذا كانت الأحداث والتطورات تؤكد أن المواجهات بين جميع الأطراف فى سوريا قد وصلت إلى «حافة الهاوية»، فإن السؤال الذى يجب أن يشغلنا الآن هو: وماذا بعد حافة الهاوية؟
هل يمكن أن نتخيل حدود تلك المواجهات العسكرية، إن حدثت؟ وكيف سيكون حال سوريا بعدها، بل وكيف سيكون حال النظامين الإقليمى والدولى فى ظل احتمالات تغير موازين القوى بين: إيران وتركيا وإسرائيل على الأراضى السورية، وفى ظل تطورات أخرى لا تقل خطورة بين روسيا والولايات المتحدة والحلفاء الغربيين، أبرزها الآن الأزمة البريطانية مع روسيا بسبب الاتهامات البريطانية لروسيا بالمسئولية عن محاولة اغتيال الجاسوس المزدوج السابق سيرجى سكريبال وابنته، ولكن الأخطر هو التصعيد الذى أخذ يفرض نفسه منذ أسابيع بين روسيا والولايات المتحدة فى مجال إنتاج الأسلحة النووية والصاروخية فائقة القوة والسرعة والكفاءة. هذا التصعيد مرشح لما هو أخطر إذا تطور إلى مواجهات عسكرية فى سوريا أو خارجها، خصوصاً بعد إعادة انتخاب الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لفترة رئاسية جديدة، وبعد حملة الإقالات التى يقوم بها الآن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب التى طالت وزير الخارجية ريكس تيلرسون وقد تمتد إلى مستشار الأمن القومى هربرت ماكماستر، والتى تحمل معالم المجئ بالمزيد من الصقور الأكثر استعداداً للانسياق وراء مغامراته، وربما نزواته الإستراتيجية، ما يعنى جدية المخاطر التى لن تقتصر على سوريا بل ستطال حتماً قيادة النظام العالمى لتفرض واقعاً إقليمياً ودولياً يصعب تحديد أى من معالمه سوى أنه سيكون عالم ما بعد «حافة الهاوية».
نقلاً عن الآهرام القاهرية