بعد أن أكدت الأطراف العربية المعنية أمر انعقاد القمة العربية الدورية المؤجلة وقررت أن انعقادها سيكون فى العاصمة السعودية الرياض يوم 15 أبريل المقبل، أضحى واجبا التساؤل عن مضمون وأجندة هذه القمة فى وقت بلغت فيه الأزمات العربية ذروتها، وبعضها أضحى مرشحا لتفجير صدام مروع قد يحدث بين القوى الدولية والإقليمية على النحو الذى تتدافع إليه تطورات الأزمة السورية، وفى وقت وصل فيه حال النظام العربي، وعلى الأخص من منظور محدودية دوره فى توجيه وحل هذه الأزمات، ذروة مأساويته.
لم يعد مقبولا أن تعقد القمة دون امتلاك رؤى ومشروعات لإنهاء هذه الأزمات، ودون قدرة على إنجاز هذه الرؤى والمشروعات، لأن العجز العربى عن إنهاء هذه الأزمات أخذ يدفع إلى تآكل مكانة النظام العربى ذاته، وأخذ يدفع البعض للبحث عن بدائل لهذا النظام تتعارض تماما مع المصالح العربية العليا ومتطلبات حماية الأمن القومى العربي. لم يعد مقبولا أن تستمر الأوضاع على ما هى عليه فى وقت تتغول فيه أدوار القوى الدولية والإقليمية على الأرض العربية بنفس الدرجة التى يتم بها تهميش دور النظام العربى الذى بات حال أدائه وتفاعلاته أقرب إلى مضمون «نكتة» ساخرة ظلت الأوساط الدبلوماسية الدولية تتداولها منذ نهاية عام 1941، تجسد بكل أسف الفجوة التى تزداد اتساعا بين ما هو معلن من مواقف وشعارات عربية، وبين ما يجرى تنفيذه على أرض الواقع من ممارسات على النقيض تماما من هذه المواقف والشعارات المعلنة، للدرجة التى يمكن وصف حال النظام العربى وقيادته، أى القمة العربية، بأنه بات أقرب ما يكون إلى ما تقول به هذه النكتة المؤلمة «مملكة بدون ملك، وأدميرال بدون أسطول».
ترجع خلفية هذه النكتة إلى حوار دار بين وزير الخارجية الأمريكى الأسبق كورديل هيل وسفير المجر (هنجاريا) فى واشنطن وقت أن شنت اليابان هجومها على الولايات المتحدة فى ذروة تصعيد الحرب العالمية الثانية وبالتحديد فى نهاية عام 1941. ففى أعقاب هذا الإعلان اليابانى قامت ألمانيا باعتبارها حليفة اليابان بإعلان الحرب هى الأخرى على الولايات المتحدة وطالبت كل حلفائها من الدول باتخاذ الموقف نفسه، فما كان من سفير المجر أن طلب مقابلة وزير الخارجية الأمريكى فى ذلك الوقت كورديل هيل ليبلغه بقرار بلاده إعلان الحرب على الولايات المتحدة، ودار بينهما هذا الحوار الساخر الذى يجسد المأساة التى نحن بصددها:
ـ الوزير الأمريكي: المجر (هنجاريا).. هل أنتم جمهورية؟
ـ لا، قال السفير، نحن مملكة.
ـ من هو ملككم؟ سأل الوزير
ـ لا يوجد لنا ملك، أجاب السفير، لنا ولى عهد، هو الأدميرال بورتي.
ـ أدميرال؟! سأل الوزير، إذن لكم أسطول كبير؟
ـ ليس لنا أسطول على الإطلاق، وليس لنا أى منفذ على أى بحر.
ـ هذا مثير حقًّا، قال الوزير، «مملكة بدون ملك وأدميرال بدون أسطول».. إذن لماذا تعلنون الحرب علينا.. هل لكم مطالب منا؟
ـ لا.. توجد لنا مطالب مع رومانيا
ـ إذن لماذا لا تعلنون الحرب على رومانيا؟
ـ هذا غير ممكن، فرومانيا حليفتنا
مفارقات ساخرة مازالت تفرض نفسها عندما تتكرر المشاهد المفعمة بالتناقض بين المصالح وبين الأفعال بين الأقوال وبين القدرات، وهذا هو حال العرب الآن الذين يندفعون نحو سلوكيات وأفعال وتحالفات تتعارض تماما مع المصالح. حدث ذلك مع الأزمة الليبية وقبلها مع الغزو الأمريكى للعراق وتدميره، ويفعلونه الآن مع أزمتى سوريا واليمن ويحدث الأمر نفسه بالنسبة للتطورات المريبة التى تحيط بالقضية الفلسطينية، ويفعلونه مع ما هو أفدح فى نتائجه: إدارة الثروات وهدر القدرات والإمكانات دون اعتبار أو اكتراث لمخاطر تجاهل مواجهة مشكلات التخلف والفقر والتبعية.
هل سيبقى العرب مغيبين، سواء بإرادتهم أو بدون إرادتهم عن مخططات تصفية القضية الفلسطينية لمصلحة تمكين الكيان الصهيونى من السيطرة والهيمنة وفرضه حليفا للعرب؟ وهل سيبقى العرب على تناقضاتهم فى الأزمة السورية التى باتت تهدد المستقبل العربى كله فى ظل مشاهد الاندفاع الأمريكى والروسى نحو حرب باردة جديدة، قد لا تبقى باردة كثيرا مع عودة مظفرة للرئيس الروسى فلاديمير بوتين رئيسا لروسيا للمرة الرابعة مدعوما بتأييد شعبى غير مسبوق، ومع إدارة أمريكية باتت متخمة بكبار الجنرالات ورموز وعتاة تيار المحافظين والمحافظين الجدد عقب إقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون واستبداله برئيس المخابرات المركزية الجنرال مايك بومبيو، وإقالة مستشار الأمن القومى هربرت ماكماستر واستبداله بجون بولتون اليمينى المتشدد المتباهى بـ «صهيونيته» والمصنف بأنه «سلاح إسرائيل السري».
فإذا كان بوتين قد جدد رئاسته لروسيا ببرنامج انتخابى كان شعاره «رئيس قوى لروسيا قوية»، وبإعلانه لإنتاج «جيل جديد من الأسلحة التى لا تقهر»، فإن الولايات المتحدة يحكمها رئيس أعلن إستراتيجية أمنية جديدة تعكس عقيدة القوة وتحديث «الثالوث النووي» الذى يضم الطيران الإستراتيجي، والصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والغواصات الحاملة للرؤوس النووية، يشرف عليها مستشار جديد للأمن القومى متحفز لمواجهة ساخنة مع روسيا والصين وضرب إيران وكوريا الشمالية وسوريا.
جون بولتون الذى أعلن بعد ساعات قليلة من تعيينه مستشارا للأمن القومى أنه سيظهر مع مايك بومبيو (وزير الخارجية الجديد) على قناة «فوكس نيوز» للحديث عن مخططات الولايات المتحدة لفترة ما بعد الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى مع إيران، هو نفسه الذى حضر مؤتمرا للمعارضة الإيرانية فى باريس العام الماضى خاطب فيه هذه المعارضة وعلى رأسها جماعة «مجاهدى خلق» قائلا: «سنحتفل معكم فى طهران عام 2019» ما يعنى وجود نية مؤكدة لديه للحرب ضد إيران وإسقاط النظام، وهو نفسه الذى يطالب ترامب بأن يصر على نزع السلاح النووى لكوريا الشمالية على غرار ما حدث مع ليبيا، أى بالغزو العسكري، ما يعنى وجود نية مؤكدة لديه للحرب ضد كوريا الشمالية.
مخاطر هائلة لم تعد محض توقعات، كيف ستتعامل معها القمة العربية المقبلة أم أنها ستبقى أسيرة مأساة كونها باتت أقرب لأن تكون «مملكة بدون ملك»، و«أدميرال بدون أسطول»؟!!.
نقلاً عن الاهرام القاهرية