توقيت القاهرة المحلي 15:23:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عودة إلى صراع تقاسم النفوذ فى سوريا

  مصر اليوم -

عودة إلى صراع تقاسم النفوذ فى سوريا

بقلم : د.محمد السعيد إدريس

 نفذت تركيا تهديداتها بالتدخل عسكريَّا للسيطرة على منطقة «عفرين» السورية، حيث بدأ الجيش التركى فى 20 يناير الحالى تطوير عملياته العسكرية التى أطلق عليها «غصن الزيتون» ضد مقاتلى «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردى المتمركزين فى المدينة الواقعة فى الشمال الغربى من سوريا، والذى تصنفه تركيا وذراعه العسكرية «وحدات حماية الشعب» منظمة إرهابية باعتباره الفرع السورى لحزب العمال الكردستانى التركى المعارض. وبهذا التدخل تكون تركيا قد تعمدت «خلط أوراق اللعبة» فى سوريا مع جميع الأطراف:الولايات المتحدة وروسيا وإيران والنظام السوري، باعتبارها الأطراف التى تتصارع من أجل تقاسم النفوذ فى سوريا، وتكون قد وضعت العديد من علامات الاستفهام حول مستقبل التسوية السياسية للأزمة السورية وفق المعالم التى حددتها لقاءات «أستانة». يبدو أن هذه المعالم ذاتها مستهدفة، وهى المعالم التى كان أبرزها الإقرار بانتصار تحالف النظام السورى مع كل من روسيا وإيران و«حزب الله»، والإقرار ببقاء النظام السورى ورئيسه بشار الأسد ضمن معادلة مستقبل سوريا. الوجه الآخر لهذه المعادلة كان الغياب الأمريكي، وإقرار واشنطن وحلفائها وبالذات إسرائيل بأن روسيا أضحت هى القوة الدولية صاحبة النفوذ الأول فى تقرير معالم التسوية للأزمة السورية.

أول هذه المؤشرات جاءت أمريكية بالدعوة الأمريكية إلى إنهاء العمل بالاتفاق النووى مع إيران، ثم بالدعوة إلى تشكيل تحالف دولى إقليمى ضد إيران، وبعدها إعادة فتح ملف استخدام النظام السورى للأسلحة الكيميائية فى سوريا. وبعد هذا كله جاءت إستراتيجية الأمن القومى الأمريكى الجديدة لتعلن إيران مصدراً للتهديد إلى جانب كل من روسيا والصين وكوريا الشمالية.

تأكد من مجمل هذه المؤشرات أن الولايات المتحدة قررت أن تغير موقفها من إدارة سياستها الخارجية وتعود مجدداً إلى ممارسة الصراع مع القوى المنافسة أو المناوئة، وأنها قررت رفض معادلة توازن الأمر الواقع التى فرضتها روسيا وإيران فى سوريا، وأن يكون هذا الرفض هو بداية تنفيذ نصوص إستراتيجية الأمن القومى الأمريكية الجديدة.

أما ثانى وأهم هذه المؤشرات فكان إعلان التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة فى 14 يناير الحالى عزمه على تأسيس «قوة أمن حدودية» يجرى تشكيلها من «قوات سوريا الديمقراطية» (الكردية) المعروفة باسم «قسد» للانتشار على الحدود الشمالية والجنوبية وشرق نهر الفرات. بعد ذلك جرى توضيح المقاصد بأن هذه القوة الأمنية الحدودية سيكون قوامها 30 ألف جندى من قوات «قسد» للانتشار على الحدود الشمالية مع تركيا والحدود الشرقية الجنوبية مع العراق شرقى نهر الفرات.

هذه الخطوة الأمريكية كانت لها أكثر من دلالة، فهى تعنى من ناحية أن واشنطن تسعى من خلال هذه القوات إلى ترسيم مناطق النفوذ التى تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» وعزلها عن باقى مناطق نفوذ النظام السورى التى تحظى بالدعم الروسى والإيراني، وتعنى من ناحية ثانية إنهاء احتكار روسيا لقرار مستقبل سوريا، والعودة الأمريكية مجدداً لفرض واشنطن لاعباً أساسيَّا من خلال امتلاك مناطق نفوذ عسكرى وسياسى على الأرض من خلال القواعد العسكرية الموجودة فى هذه المنطقة، ومن خلال النفوذ السياسى الأمريكى على قوات سوريا الديمقراطية، وتعنى من ناحية ثالثة أن الولايات المتحدة قررت عمليَّا حرمان إيران من تنفيذ مشروع الطريق البرى الذى تعتزم إقامته ليربط الأراضى الإيرانية بشاطئ البحر المتوسط عبر الأراضى العراقية والسورية، فمنطقة النفوذ الكردية التى ستسيطر عليها هذه القوات تقطع التواصل الإيرانى البرى المأمول بين الأراضى العراقية والأراضى السورية، كما تعنى من ناحية رابعة أن الولايات المتحدة قررت تنفيذ مشروع تقسيم سوريا، وفرض كيان انفصالى كردى فى شمال سوريا.

روسيا تابعت هذه التطورات كما تابعتها إيران لكن تركيا كان إدراكها مختلفاً لأنها فهمت منذ اللحظة الأولى أنها المستهدفة، وأن الولايات المتحدة التى اختارت الأكراد السوريين ممثلين فى «قوات سوريا الديمقراطية» و«وحدات حماية الشعب» الكردية حليفاً بديلاً لتركيا شريكتها فى حلف شمال الأطلسى لذلك كانت ردود فعلها شديدة العصبية وكان قرار الدخول العسكرى التركى المكثف إلى «عفرين» بمثابة رد فعل تركى لإحباط هذا المخطط الأمريكي. فقد أعلن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أن العملية العسكرية التركية «غصن الزيتون» تستهدف «تطهير عفرين ومنبج من وحدات حماية الشعب الكردية إذا لم يستسلم عناصرها للقوات التركية خلال أسبوع واحد». وأوضح أن الوحدات الكردية «تسعى إلى إقامة ممر إرهابى على حدودنا الجنوبية». وهاجم الرئيس التركى الولايات المتحدة وقال «تظن أمريكا أنها أسست جيشاً ممن يمارسون السلب والنهب فى سوريا، وسترى كيف سنبيد هؤلاء اللصوص فى أقل من أسبوع». وإذا كانت تركيا قد قررت إفساد الخطة الأمريكية فإنها كانت مضطرة لعمل تفاهمات مع كل من روسيا والنظام السورى للدخول إلى عفرين. كان لابد من ضوء أخضر روسى كى تتمكن من إشراك طائراتها فى عملياتها العسكرية، وذلك بقبول روسيا تحييد عمل بطاريات صواريخ إس 400 الروسية مقابل تيسير تركيا سيطرة الجيش السورى على مطار «أبو الظهور» العسكرى الإستراتيجى بالقرب من إدلب الخاضعة للسيطرة العسكرية التركية والمنظمات الحليفة لها.

روسيا قبلت هذه المقايضة للرد على الاستفزاز الأمريكى والمسعى الأمريكى لإفساد انعقاد مؤتمر «سوتشي» وللتمهيد مستقبلاً لقبول تركى بعودة المناطق التركية إلى سيطرة النظام السورى كخيار أفضل من خيار تأسيس كيان كردى معارض على حدودها الجنوبية كما تأمل أو تطمح واشنطن، والتى تعمدت أن تعلن على لسان ديفيد ساتر فيلد نائب وزير الخارجية الأمريكى لشئون الشرق الأدنى أنها «تمتلك وسائل عدة لتقليل التأثير الروسى فى نتائج المحادثات السورية» مطالباً بـ «ضرورة إدراج كل التحركات فى شأن سوريا ضمن مفاوضات جنيف» ما يعنى أن الولايات المتحدة عازمة على إفشال مؤتمر «سوتشي». وهكذا يمكن القول إن الإجراء الأمريكى بالتحرك عسكريَّا فى شمال سوريا بالتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية الكردية وما تبعه من تدخل عسكرى تركى فى عفرين لوأد الطموح الكردى المدعوم أمريكيَّا لتأسيس كيان كردى على الحدود الجنوبية التركية مع سوريا من شأنه أن يدفع إلى فرض مسار جديد للصراع فى سوريا، يستهدف محور «روسيا- إيران- النظام السوري». وإفشال مؤتمر سوتشي» للسلام فى سوريا للعودة بسوريا مجدداً إلى صراع تقاسم النفوذ وتبديد فرص الحل الذى كان يلوح فى الأفق خلال الأشهر الأخيرة بعد جولات طويلة من الصراع كان الشعب السورى هو من يدفع أثمانها.

نقلا عن الاهرام القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة إلى صراع تقاسم النفوذ فى سوريا عودة إلى صراع تقاسم النفوذ فى سوريا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 14:35 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يعلن سلبية مسحة كورونا استعدادًا لمواجهة المقاصة

GMT 01:05 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

الزمالك يقبل هدية الأهلي لتأمين الوصافة ويُطيح بحرس الحدود

GMT 15:44 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يبحث عن مدافعين لتدعيم صفوفه في الميركاتو الصيفي

GMT 07:13 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الإثنين 12 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:34 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حفل عقد قران هنادى مهنا وأحمد خالد صالح

GMT 15:02 2020 الأربعاء ,30 أيلول / سبتمبر

خيتافي وفالنسيا يتقاسمان صدارة الدوري الإسباني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon