بقلم - محمد حسن البنا
يروي أحد البسطاء من الأرياف واقعة غريبة حدثت له، مَرضتْ ابنته ذات الأربعة عشر ربيعا وداخ بها علي المستشفيات ، وهداه أحدهم إلي مستشفي متخصص في المدينة، سافر وكان المستشفي ضخما ومترامي الأطراف ، والعيادة المقصودة بعيدة لمسافة لا يمكن أن يصلها سيرا علي الأقدام حاملا ابنته ، يقول لم أجد من يساعدني..تعبت جدا بسبب الشيخوخة، والسفر، والحاجة، ومرض ابنتي ، يهون عليّ الرضا بإبتلاء الله،جلست لأستريح في مكان مخصص لركن السيارات، وكانت دموعي تملأ مقلتي، احاول إخفاءها عن ابنتي وعن المارة وبينما أنا كذلك، وإذ بسيارة فاخرة تركن بجواري، خرج منها شاب طويل القامة ملامحه تدل علي وسامة ربانية وطيبة ، يرتدي بالطو أبيض، وعلي صدره بطاقته المهنية..فوجئت به يتوجه نحوي.. سألني عن حاجتي، فخنقتني العبرات ولم أقدر علي الكلام..اقترب مني وقال: ماذا تريد ؟! وأين بطاقة هويتك ؟!
أعطيته بطاقتي ، لاحظت أنه يتأملها بشدة ويتفحصني، وقد بدت عليه علامات الدهشة والاستغراب..!! ثم أرسل تنهيدة من أعماقه، وجلس بجانبي وراح يُقَبِّلُ جبيني ، والدموع تسيل من عينيه ، سألته: ما بك يا ولدي!؟ هل أصابك مكروه لا قدّر الله!؟ قال: لا.. إنما أشفقت لحالك، ثم حَمَلَ ابنتي بين يديه، وقال: تعال يا عم معي..دخل الشاب أروقة الجناح الطبي ووَضَعَ الطفلة علي كرسي متحرك، وفوجئت به يأمر وينهي، والكل يُحيّيه تحية تقدير واحترام ويتودد إليه.. يبدو أنه صاحب مكانة وشأن في هذا المستشفي.. وراح يطوف بالبنت بين الإستقبال ثم التحاليل والأشعات والعناية المركزة، والعمليات حتي تم إجراء عملية جراحية ناجحة لتستعيد وعيها، واستردت عافيتها.
حمدتُ الله وشكرتُ الشاب الذي كان لي ظهيرًا وسندًا ومعينًا... قلت له: سيبقي خيرك يطوق عنقي ما حييت..ولكنني أريد أن أعرف سر ذلك ، قال : أنا الطفل الذي أعطيته خمسة جنيهات، ليدفع مصروفات المدرسة ، ولولاها لما أصبحت اليوم أستاذ دكتور في أكبر المستشفيات.. وها قد التقينا بعد أن منَّ الله علي بأعلي المراتب في أنبل وأشرف المهن..وها نحن نلتقي بعد 30 سنة.. والحمد لله أن مكنني لأرد لك بعض الجميل.
دعاء : ربي إﻧﻲ ﻣﺴﻨﻲ ﺍﻟﻀﺮ ﻭﺃﻧﺖ أﺭﺣﻢ ﺍﻟﺮﺍﺣﻤﻴﻦ.
نقلا عن الأخبار القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع