توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الدرس اللبنانى المهم

  مصر اليوم -

الدرس اللبنانى المهم

بقلم: طلعت إسماعيل

الغضب من توجه الحكومة إلى فرض رسوم على تطبيق «الواتساب»، قد يكون الشرارة التى أشعلت نيران التظاهر فى كل أرجاء لبنان على اختلاف مكوناته وطوائفه، غير أن الأزمة التى تتصاعد حدتها منذ الخميس الماضى أكثر عمقا وتعقيدا من اعتبارها مجرد احتجاجات يمكن لملمتها بوعود حكومية بعدم فرض أية ضرائب جديدة مع التراجع عن فرض رسوم على خدمة الاتصالات بالهواتف المحمولة.
التظاهرات جاءت تعبيرا عن مخزون غضب على تردى الأوضاع المعيشية، وتدهور الخدمات الحكومية وفى مقدمتها الانقطاع شبة الدائم للكهرباء خاصة فى العاصمة بيروت، وعكست وجها لأزمة اقتصادية مركبة تترجم فى زيادة الأسعار، وارتفاع نسبة البطالة إلى 20%، وتراجع قيمة العملة الوطنية اللبنانية (الليرة) بشكل كبير أمام الدولار فى السوق السوداء، وانخفاض حاد فى معدل النمو الذى بلغ 0.2 بالمائة فقط عام 2018، وفقا لبيانات صندوق النقد الدولى.
تردى الحالة الاقتصادية جعل أكثر من ربع اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، فيما احتل لبنان المرتبة 138 ضمن 180 دولة، فى مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2018، وهو ما جعل المتظاهرين يرفعون أصواتهم للمطالبة بمحاسبة الفاسدين الذين تسببوا فى وصولهم إلى هذا الوضع.
نأتى إلى النقطة الأهم فى الأزمة التى دفعت بمئات الآلاف إلى التظاهر، والخروج للمطالبة «بإسقاط النظام»، هو تكلس الطبقة السياسية التى لم تغيير منذ نهاية الحرب الأهلية المدمرة التى اندلعت عام 1975 واستمرت حتى عام 1990.
الوجوه نفسها تقريبا، وقواعد اللعبة ذاتها، تتصدر المشهد السياسى اللبنانى على مدى 30 عاما تقريبا، مع بضع رتوش هنا وهناك، فرضتها تغيرات محلية حينا أو إقليمية ودولية فى غالبية الأحيان. طبقة سياسية تستغل الانقسام الطائفى أو المذهبى لتمرير سياسات وقرارات تفوح منها مصلحة هذا الزعيم السياسى أو ذاك بتحالفاته الظاهر منها والخفى، أكثر منها لخدمة المواطن اللبنانى البسيط الذى تحولت حياته إلى معاناة يومية فى معركة البقاء.
انشغلت النخبة السياسية بترتيب أوراقها الإنتهازية وتدعيم تحالفاتها عابرة الحدود، وسط صراع إقليمى محتدم لم يختر غالبية اللبنانيين الدخول فيه، وباتت الأجندة الوطنية فى ذيل الأولويات، ومن هنا يمكن فهم مطالبة المتظاهرين برحيل جميع رموز النظام الحالى الذين تم اختزالهم فى تعبير «كلكن يعنى كلكن» الذى رفع فى الميادين والساحات التى أمتلأت بالمحتجين.
الآن تناور الطبقة السياسية اللبنانية، ويسعى كل طرف، اللاعب الأصيل والاحتياطى، لإلقاء اللوم على الآخر، فى سوق للمزايدات السياسية، غير مدركين هؤلاء الذين «شاخوا على مقاعدهم» بتعبير الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، أن الزمن تغير، وهناك أجيال جديدة باتت عابرة للطوائف والمذاهب، وعقولها عابرة للأوطان، ولم تعد تعنيها التقسيمات التقليدية التى ظلت تحكم بالخوف من«الحرب الأهلية» لسنوات طوال.
خرج اللبنانيون بعد أن وحدتهم المعاناة، والتململ من ألاعيب الساسة، لا فرق إن خرجت من قصر بعبدا والضاحية الجنوبية، أو من المختارة وبيت الوسط فى بيروت، أو كانت صادرة عمن يخنقون الأمل بكل صوره فى مدن لبنانية أخرى، فقد دفع الشارع اللبنانى من قوته، ومستوى معيشته، بينما ظلت اللعبة العقيمة تمارس كما هى من دون الوضع فى الاعتبار قدرة الشعب اللبنانى على الاحتمال فى وجه غائلة الأيام.
يستشرى الفساد، وتخلو خزائن الدولة من الأموال فيسارع أرباب السياسة إلى فرض الضرائب والرسوم، تتدهور الخدمات، فتعطى الحكومة أذن من طين وأخرى من عجين، وكأن أكياس القمامة، التى عجزت يوما عن جمعها، لم تصل إلى أنوف وزرائها، ولم تر عيونهم ظلام البيوت مع انقطاع الكهرباء، فيما يجلس الشباب على المقاهى بلا عمل، فماذا كان ينتظر غير الخروج إلى الشوارع للاحتجاج؟!
الرهان على صبر الناس أمر محفوف بالمخاطر بالنسبة لأية حكومة عند اتخاذها أى قرار يتعلق بصلب حياة البشر فى غدوهم ورواحهم، فتحميل المواطن أكثر مما يستطيع لعب بنار قد يصعب إخمادها، وهذا هو الدرس الأول والمهم لتظاهرات الأشقاء فى لبنان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدرس اللبنانى المهم الدرس اللبنانى المهم



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon