بقلم : شريف عارف
تابعت مقالكم الشيق قبل أيام تحت عنوان «حديث الرئيس.. والكلام الآخر». كان حديث الرئيس مع المخرجة ساندرا نشأت مختلفاً بالفعل. نعم عاد إلينا الصديق الودود البسيط الصادق، وكأنه- كما قلت- يتحدث مع كل شخص منا منفرداً.
وحقيقة فى هذا الحوار المثير للجدل، لم أعط رأياً نهائياً. قرأت وجهة نظرك وأحترمها، واستمعت إلى آراء متباينة من أصدقاء من مختلف الشرائح وأقدرها. البعض تحدث عن «إعداد مسبق» لأسئلة وإجابات الحوار، والبعض الآخر تحدث عن أداء «تمثيلى» واستخدام لأدوات فنية سينمائية فى التأثير.. وكل ذلك ليس عيباً ولكنه من «أبجديات العمل» وعناصر القوة. إنما يبقى «المحتوى» هو محور الحديث الذى يجب ألا نحيد عنه.
نقاط مهمة تطرق إليها الحوار، يجب ألا تمر مرور الكرام. فلأول مرة يتم طرح عناوين جديدة فى حوار مع الحاكم، تحمل مفردات كانت- ولاتزال- فى كثير من وسائل الإعلام من «المحظورات»، منها مثلاً الحديث عن «النظام العسكرى» وتدخل الجيش فى الاقتصاد. والحديث عن ميزانية الجيش نفسه. إعلام «التطبيل» والمدح بإيقاعات ومستويات ضجيج فوق المطلوب. ضرورة أن يكون هناك رأى آخر و«شخص تانى». الحديث عن عمل «جماعى» لا «شخصى»!.. وبغض النظر عن إجابات الرئيس السيسى، فإن هذه العناوين وهذه المحاور لم تُطرح بالفعل من قبل، وهى تستحق أن تكون نقطة انطلاق لحوارات أخرى أكثر جرأة وانفتاحاً فى المستقبل.
سأتوقف أمام عنوان واحد، مضمون محتوى التقارير التى يطلع عليها السيد الرئيس. طرح جديد ومبسط وعميق، وأعتقد أن طرحا بهذا الشكل يعنى أن هناك «رسائل» كثيرة تصل، وهناك من يدقق ويرصد ويقول رأيه، وهو ما يقتضى «أمانة التوصيل» قبل «التجويد» فى الكتابة والشرح، وهى قضية تمثل أخطر ما تعانيه مصر على مدى قرون.. ربما كانت لها آثارها السلبية الكبيرة بعد ثورة يوليو 1952!.
فى براعة تنقل المخرجة «ساندرا» سؤالاً ربما يطرحه كثيرون ولا يستطيع الإعلام أن يتناوله- للأسف- عندما تساءلت عن «من ينقل لك نبض الناس؟» قائلة: «أنا مش متخيلة رئيس ممكن تتنقل له صورة غلط.. أنا مش متخيلة رئيس يمكن يقع فى الفخ ده».. فكان رد الرئيس: هناك من يكون هدفه «إحنا مش عايزين نزعله»!.
فى نهاية الثمانينيات من القرن الماضى، كنت أخطو خطواتى الأولى فى بلاط صاحبة الجلالة، وتقابلت فى ندوة سياسية ببلدى بورسعيد مع الكاتب الكبير الراحل الأستاذ مصطفى شردى، وتحدث فى هذه الندوة عن «أمانة كتابة التقارير التى تصل إلى الرئيس».. تحدث شردى قائلاً: «عندما قابلت الرئيس مبارك قلت له: إنت عارف إن واحداً من التقارير التى يكتبها رجال زكى بدر- وزير الداخلية الأسبق- بين يدى، وغالبيتها تحمل مبالغات والحديث عن خلافات بينى وبين رئيس حزب الوفد- فؤاد سراج الدين- وصلت إلى حد أنه طردنى من مكتبه.. كل هذه أكاذيب!».. ويكمل «شردى»: «فوجئت بمبارك يطلق ضحكة عالية.. قائلاً: ومين قالك إنى باصدق كل التقارير اللى بتجينى؟!».
أزمتنا- على مدى عقود مضت- ليست فى التقارير، ولكن فى «التجويد» والتحليل المبالغ فيه، الذى ربما يروح فى سبيله الكثير من الضحايا الأبرياء!.
نقلاً عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع