الجدل المسيحى المثار حالياً حول مقولات البابا تواضروس الثانى، بطريرك الكرازة المرقسية إبان الانتخابات الرئاسية والتى منها «وطنى قبل كنيستى، ويد الله التى تختار الرئيس..»، وغيرها من مقولات بابوية قوبلت بشىء من الاحتجاج المسيحى على صفحات التواصل الاجتماعى.
معلوم البابا هو صوت الكنيسة، المعبر عنها، ومقولاته منطوقة بعناية، ومقصودة تماماً، وعلى وقتها، ورغم ضراوة الهجمة على البابا لم يلتفت قداسته إليها بل ذهب ليصوّت فى الانتخابات الرئاسية أمام الكاميرات مستنكفاً كسل البعض عن التصويت قائلاً لهم: «بلاش كسل».
البابا، على موقفه، متسق مع نفسه فى دعم وطنه فى ظرف استثنائى يقف فيه شعب مصر أمام العالم متحدياً، والكنيسة كنيسة الوطن، وموقفها موقف وطنى، والبابا بابا المصريين، كيف يتولى يوم الزحف، كيف يقف موقفاً مغايراً لوطنية الكنيسة المصرية فى مفرق تاريخى؟.
البابا لم يطلب سوى الخير لمصر ويراه مجسداً فى مشروع الرئيس السيسى، ويدعو لفلاحه فى الصلوات كما قال فى رسالته نشرتها مجلة الكرازة الناطقة بلسان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية قبيل الانتخابات، نصا: «اذكر يا رب عبدك رئيس أرضنا»، إذن البابا لم يستن طقساً كنسياً مستحدثاً، ولم يخرج على المسيحيين بما يسيئهم كنسياً أو سياسياً، ولم يتعرض لنفر من المقاطعين، فقط نادى على جموع المحبين.
البابا يعبر بصدق عن الضمير الوطنى بلسان مصرى مبين، لم يذهب إلى بيع المسيحيين بضاعة أو التجارة بهم فى مزايدة سياسية رخيصة، البابا تصرف بمسؤولية وطنية، ولم يزايد على معارض، ولم يقطع الطريق على رافض، فقط قال بما تمليه اللحظة من واجب وطنى لم تخطئه الكنيسة المصرية طوال تاريخها.
للرافضين كل الاحترام، ولست فى محل تفسير كنسى لمقولات البابا، شعب الكنيسة أدرى بشعابها، ولكن ما يعنينى هو الموقف الوطنى فى موقف وطنى، هل كان مطلوبا من بابا الكنيسة المصرية أن يقف على الحياد ولا يذهب إلى الانتخابات وقد سبقه إليها رمزيات مصرية معتبرة كالإمام الأكبر تؤدى واجباً نحو وطنها؟.
هل كان مطلوبا من البابا أن يُمكّن مَن يضمرون كراهية للمصريين من رمى الكنيسة بسخام أنفسهم وما ينفثون حقداً على العلاقة الطيبة بين رأس الكنيسة ورأس الدولة؟.
البابا تواضروس على خطى الآباء الراحلين يستبطن حكمة السنين، ويصك تعبيراً لأجيال «يهمنى وطنى قبل كنيستى»، لا يشترى بها عرض الدنيا، يود لو قفل عائدا إلى قلايته فى الدير يتعبد الله، ولكنه يشترى بها وجه الوطن من بعد وجه الله.
الهجمة الشرسة على بابا الإسكندرية ليست براء من الغرض، وأخشى أنها من تدبير الصفحات الإخوانية التى تتشح بالصليب زوراً، فيسقط فى حبائلها نفر من شباب الكنيسة الطيبين أو المتحمسين، البابا ومنذ 30 يونيو مستهدف من الإخوان والتابعين.
وأخيراً، هل يمارى مصرى فى حب الكنيسة للوطن، وهل يمارى مصرى فى أن المسيحيين المصريين كانوا فى قلب ثورة 30/25، وبابا المسيحيين فوق منصة 3 يوليو، وهل يمارى مسيحى أن الرئيس السيسى يحمل قلباً محباً للمسيحيين ولا يفرق بينهم وبين إخوتهم المسلمين، ويرفض هذه القسمة الظالمة؟.
«الحط» على البابا بهذه الغلاظة لا يستقيم وطنياً ولا كنسياً، البابا ما خرج من الكنيسة إلا إكراماً للوطن، والحس الوطنى الرائع للمسيحيين خليق بالحفاوة الوطنية، ونسجل كامل الاحترام لكل صوت مسيحى مبصر لا يفارق ناظريه الوطن وسلامته، طوبى للبابا وطوبى للمصريين المسيحيين أن خفوا تصويتاً حباً فى أغلى اسم فى الوجود.
نقلاً عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع