بقلم - حمدي رزق
سنة ثقيلة الوطأة، لمّا ينصرم ربعها الأول بعد، وأورثنا حزنًا مقيمًا، نفقد جواهر التاج تباعًا، نُعزِّى أنفسنا كل صباح، وفى المساء كف عزاء ونتواصَى بالصبر، والبقية فى حياتكم، على أمل اللقاء، مع خشية الفراق، محدش ضامن عمره.
صورة نقيب المحامين، الأستاذ «رجائى عطية» فى قاعة المحكمة، مغشيًا عليه قبل أن يفارق الحياة، جد مؤلمة، قاسية، ولكنها مهيبة، فارق الحياة بروب المحاماة، مرتديًا أشرف ثوب، يا لها من مهمة جليلة تليق بأصحاب القامات الرفيعة.
طيب الذكر من سلسال من القامات القانونية السامقة، من جواهر تاج المحاماة، كان بليغًا فى الحق الذى يعتقده، جسورًا فى الدفاع حتى عن خصومه، أخلص فى مهنة الدفاع عن الحق، دون مَنٍّ وَلَا أَذًى، نموذج ومثال فى التعفف وقت الشدة التى تلم ببعض الناس.
طيب الذكر كان مُقدَّرًا ومحترمًا ومسلكه مسلك الكبار، فى وقت تصاغر نفر بغيض طالبًا الملايين مقدمًا من بعض مَن جنَت عليهم البلاغات الكيدية، ويشترط سداد الأتعاب قبلًا، ومضاعفة، فى استباحة ذميمة لضعف يعترى مَن يلجأ إليه طالبًا العون.
كان عفوفًا متعلقًا عن ولوج مثل هذه القضايا المؤلمة، ورغم صلاته وعلاقاته الوثيقة بكثير من رجال المال والأعمال، الذين يلجأون إليه عادة، وبعضهم تعرض لملاحقات بعد أحداث يناير، لكنه أبدًا لم يتاجر بهم قط، ولم يقرب مالهم قط، وإذا تيسّر الدفاع عن البعض، كان كريمًا قدر المستطاع.
رحمة الله عليه، كان وطنيًا بامتياز، هصورًا فى الدفاع عن وطنه، ومواقفه قبيل وأثناء ٣٠ يونيو يحتفظ بها الأرشيف الإلكترونى لمَن يريد التعلم من وطنية الأستاذ النقيب.
عن قرب، ووصفًا، كان كالحصان المصرى الأصيل، منخاره فى السماء، كبير المقام، وصاحب موقف، ولا يتأخر عن الغوث، وإذا حادثتَه يُسمعك من عيون أدب المحاماة، كان بليغًا، مضروبًا باللغة العربية الفصحى، ذا ثقافة قانونية عميقة، متفقهًا فى علوم الدين، ما رشحه لعضوية مستدامة فى مجمع البحوث الاسلامية، مكانة وعلمًا، رحمة الله عليه.
أوراق الشجرة العتيقة على شط المحروسة تتساقط أمام ناظرينا، سبحان مَن له الدوام، أنظر إلى أجندتى المتواضعة، أسماء كبيرة ترحل تباعًا، قامات ترحل، وقيم تذوى، و«ما يبقى على المداود غير شر البشر».
بِتُّ أخشى فقدًا، هكذا تواليًا، يرحل مَن عبّدوا لنا الطريق ممهدًا لنسير فى الحياة تظللنا سحابات، ظل قامات تقينا حرور طريق الحياة.
تذكرت النقيب الكبير طيب الذكر الأستاذ «مكرم محمد أحمد» مع خبر وفاة النقيب «رجائى عطية». كانا لا يفترقان، يحملان نفس الجينات، الأصالة، الكبرياء، لم أستغرب صداقتهما، باكرًا عرفت لماذا كانا صديقين حميمين. معلوم أن المرء على دين خليله، وكانا خليلين، ويومًا قال لى النقيب «مكرم»: «رجائى عطية أبدًا لا يُخلف وعده».
المرحوم الكريم «رجائى عطية» كان على موعد فى السماء، لحق بنور عينيه، كريمته، المغفور لها، «هالة»، تقَبَّل العزاء وهو مفطور، ما أثقل قلبه، بات وهو حزين على أمل اللقاء.