لم أجد فى معجم الأغانى ما يعبر عن حالة «أم مكلومة» من قرية منكوبة، قرية الشريف (ببا/ بنى سويف) فقدت فلذة كبدها فى كارثة إعصار «درنة» سوى كلمات «بيرم التونسى» تنوح بها كوكب الشرق «أم كلثوم» بلحن حزين من إبداعات الشيخ «زكريا أحمد»..
«حطيت على القلب إيدى/ وانا بودّع وحيدى
وأقول يا عين اسعفينى/ وابكى وبالدمع جودى
من يوم ما سافر حبيبى/ وانا بداوى جروحى
اتارى فى يوم وداعه/ ودعت قلبى وروحى».
ربنا ما يكتبها على حبيب، منظر موكب سيارات الإسعاف بلونها الأصفر، وقد تحولت لنقل الموتى تخترق طرقات القرية «الشريف»، حاملة ٧٤ من جثامين زينة شباب القرية ورجالها الذين تغربوا بحثا عن لقمة العيش، يعودون ملفوفين فى أكفانهم، يدفنون بفعل التحلل.. حتى دون نظرة وداع.
سبحان من له الدوام، كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، مشهد مفجع مأساوى حزين، كما خرجوا جماعة على أمل، عادوا جماعة على فيض الكريم، حتى الإعصار القاسى لم يفرق بينهم، جرفهم جماعة، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله، قرية بتوابعها ترتدى ثياب الحداد.
ربنا يصبرهم، نادرة الحدوث لكنها حدثت، عظة وعبرة لأولى الألباب، حزن المصريين فى الجنازات صعيب، ونواح الأمهات رهيب، يقطع نياط القلوب، والأرملة الشابة على صدرها رضيع وترمح وراء السيارات الصفراء تحمل الجثامين، لعلها تظفر بنظرة وداع لزوج حبيب كانت تنتظره على أحر من الجمر.
والأب المكلوم مكوم جنب حيط المقبرة يبكى حاله لحاله، وشباب القرية نفروا عن بكرة أبيه ليواروا جثامين الأحباب والأصدقاء، كانوا على موعد فى لقاء قريب بعد العودة من الغرب الليبى، عادوا فى أكفانهم يوارون الثرى.
الفيديو الرهيب الذى لف العالم من هول مشاهده، وتجاوز فى تفاعلاته الإلكترونية حتى مشاهد الخراب والدمار التى خلفها الإعصار فى «درنة»، خليق بالتوقف والتبين، توقفًا أمام حالة القرية المجللة بالسواد، كيف نخفف عنها، وتبيّن حاجاتها برعاية حكومية فائقة، وبالتفاف شعبى عطوف حول هذه القرية المنكوبة.
قرية الشريف صارت الأولى بالرعاية، مستوجب تعويضهم عن فقد عظيم، تحقيق بعض الأحلام الصغيرة التى سافروا من أجلها، توفير متطلبات الحياة للأسر المنكوبة، بمعاشات استثنائية، تقيم أودهم، وتسند ظهورهم، وتؤمن لهم ولأولادهم حياة كريمة.
مشكور وزير التربية والتعليم الدكتور رضا حجازى بادر من فوره بإعفاء أولاد المتوفين والمفقودين من المصروفات الدراسية هذا العام، وليته يمدها ولأعوام مقبلة حتى إتمام الدراسة الأساسية، الوزير قدم كف عزاء، وننتظر من الحكومة ما هو أكثر بكثير من إعانة عاجلة.
المصاب جلل، والقرية تنام باكية، وتصحو على نواح، أنين القرية مسموع، فلتهرع الحكومة بتوجيهات رئاسية إلى تلبية متطلبات القرية وتوابعها عبر مشروع «حياة كريمة».
رسالة المشروع تتجلى فى هذا الظرف الصعيب، تعوض عليهم، والعوض على الله، تعويض الأحباب عن فقد ذويهم واجب مستوجب على كل مصرى.
الهم مصرى، والحزن مصرى كما قلت البارحة فى هذا المكان، والمصريون اتساقًا مع الحديث النبوى الشريف «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فى تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى»، ومصر تداعت بالحزن والحداد، وستعوض عن القرية وتوابعها بالخدمات والمؤن الضرورية عونا للمنكوبين على استمرار الحياة.