معلوم، فِرَاق الأحباب سِقَامُ الألباب، وسَقُم الشَّخصُ، مرِض، طال مرضُه، والقلب من حر الفراق تصدّعا..
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ، بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ، بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ، أعانى فقدا عزيزا وفارقًا مؤلمًا..
فاتونا الحبايب، أجندتى تتساقط منها الأسماء فى الطريق، أراجع أجندتى فى عام مضى، ألمح أسماء قريبة من نفسى أكاد أطلبها، لكنها غادرتنا حتى دون وداع، تنتابنى نوبة حزن شفيف، تطفر دمعة من عينى، ويتمتم لسانى الله يرحم الجميع.
أفتقد صباح العيد، ثريد أمى، وغبطة والدى، وعطفة شقيقتى الكبيرة، أفتقد العم والخال والجد اللطيف «عبداللطيف» صاحب الابتسامة المشرقة.
افتقد جدتى الحبوبة «روحية» ستى وتاج رأس العيلة البسيطة، وهى تفرد طرحتها لننعم ببعض الراحة على حاشيتها على فرن قديم فى قاعة فى نهاية البيت الكبير، حجرة ستى كانت ملاذا لنا من حرور الحياة.
رقيق القلب «أحمد رامى» كتبنى وكتب كل ما يجول به الخاطر حزنا فى قصيدته «أيها الراقدون تحت التراب جئت أبكى على هوى الأحباب».
أسمعها تتردد فى فضاء نفسى بصوت موسيقار الأجيال «محمد عبدالوهاب» وأنا أستحث الخطى صبيحة العيد بعد الصلاة وقبل النحر، نحو مقابر العائلة، لألقى سلاما، وأقرأ الفاتحة وآيات من الذكر الحكيم رغم أنف السلفيين المعترضين على زيارة القبور يوم العيد، مالهم بنا والقلب قد أشتاق للأحباب.
أفتقد هذا الصباح، «كل سنةً وأنت طيب» من طيب الذكر الدكتور «كمال الجنزورى»، لم يكن يفوته أن يكون أول المهنئين بصوته الرخيم، وطرفته، «كل سنة وأنت طيب يا منوفى»، وهو من كان عميد المنايفة زمنا طويلا.
وأعانى فقدا صعيبا برحيل أخى الأكبر، طيب الذكر، «عاصم حنفى» الذى كان يهش ويلش لمقدم العيد الكبير، ونتواعد على مائدة اللحم والثريد، تحس بالعيد ببهجة الساخر الجميل.
ويزداد الصدع القلبى حزنا على فراق من كان فى منزلة (ابنى) الكاتب الكتوبة الذى لم يكمل رسالته طيب الذكر «أحمد النجمى» رحل صغيرا، صغيرا على الموت، لكنها مشيئة الله، «فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ» (الأعراف/ 34).
فقد يتلو فقدا، الفقد عظيم برحيل طيب الذكر الأستاذ «مفيد فوزى» الذى لم يكن يفوت العيد دون تهنئة مقتضبة، «كل سنة وأنت طيب يا حمدى» وكفى، لم يكن يطيل، لو عاد من رقدته الأبدية لرجوته أن يسترسل فى حكيه عن العيد، كانت ذاكرته تحفظ ذكريات عبرت عن عمق المحبة بين المحبين.
وفقد الأب الروحى «مكرم محمد أحمد» يفطر القلب الحزين، كنت ابتدره بدعاء بالصحة والسعادة فى الأيام المباركة، فيهش ويبش، ويعلو صوته بالشكر، كان بمثابة الأب الذى يتلقى صوته ابنه الغائب عنه فى لجة الأيام.
وأفتقد العم «جمال الغيطانى» فى العيد، وهو يقص علينا أحسن القصص، كيف كان المصريون يحتفلون بالعيد، كان موسوعة فى عادات المصريين، تتذوق طعم اللحم والثريد وهو يتحدث باستمتاع عن شعب الطيبين