بقلم - حمدي رزق
من رائِعة طيب الذكر الشاعر الكبير «صلاح عبدالصبور» المعنونة «يا أهْلَ مدينتنا» مقتطف دال: «زعْبٌ أكبرُ من هذا سوف يجىء / لنْ ينجيَكم أن تعتصموا منهُ / بأعالى جبلِ الصَّمت..».
أنفقت هوليوود على فيلم «أوبنهايمر» (١٠٠ مليون دولار أمريكى) لإيصال رسالة إلى الضمير العالمى أن الولايات المتحدة بريئة، ليست أمة شريرة، لقد دفعت دفعًا إلى السباق النووى، فحسب لردع الأشرار حول العالم!!.
أوبنهايمر، فيلم من كتابة وإخراج «كريستوفر نولان»، مقتبس من كتاب «بروميثيوس الأمريكى»، سيرة حياة الفيزيائى النظرى «ج. روبرت أوبنهايمر».
السيرة صدرت فى كتاب عام ٢٠٠٥، كتبها «كاى بيرد ومارتن ج. شيروين» على مدى خمسة وعشرين عامًا، فاز الكتاب بالعديد من الجوائز، بما فى ذلك «جائزة بوليتزر» عن فئة السيرة الذاتية لعام ٢٠٠٦.
ورغم عبقرية أداء الممثل الأيرلندى «كيليان مورفى» فى تجسيد شخصية العالم الشهير «أوبنهايمر» لم يقنع من يعقل ببراءته من الجرم الإنسانى الذى ارتكبه وخلف فظائع يشيب من هولها الولدان فى هيروشيما ونجازاكى.
التحقيقات والمحاكمات التى جرت لـ«أوبنهايمر» كانت عقابية ليست على عقليته الشريرة التى أنتجت سلاح الدمار الشامل لفناء البشرية، بل على اتصالاته وصداقاته الشيوعية، وتسريب أسرار القنبلة القذرة إلى الأعداء.
فيلم تعمد بخبث سياسى إخفاء مشاهد الفناء الذى حل بهيروشيما ونجازاكى، لم يأت بمشهد عرض، قتلت القنبلتان ١٤٠ ألف شخص فى هيروشيما، و٨٠ ألفا فى ناجازاكى، مات ما يقرب من نصف هذا الرقم فى نفس اليوم الذى تمت فيه التفجيرات.
بين هؤلاء الضحايا، مات (١٥-٢٠ ٪) متأثرين بالجروح أو بسبب آثار الحروق، والصدمات، والحروق الإشعاعية، والتسمم الإشعاعى، توفى بسبب سرطان الدم (٢٣١ حالة) والسرطانات الصلبة (٣٣٤ حالة)، نتيجة التعرض للإشعاعات المنبثقة من القنابل، وكانت معظم الوفيات من المدنيين فى المدينتين.
هيوليود تعى رسالتها السياسية جيدا، يبيضون التاريخ الأسود للسياسة الأمريكية بمساحيق سينمائية احترافية، وكأن ما حل باليابان من فناء ودمار وقتلى وأجيال تعانى من الإشعاعات الذرية محض خلفية لمحاكمة عبثية جرت فى الأفنية الخلفية فى الدولة الأمريكية العميقة.
مأساة أوبنهايمر الشخصية لم تجلب تعاطفا جماهيريا، لا قلبيا ولا عقليا، التعاطف صعب مع عالم (فذ) حاد عن الطريق، وضع خلاصة عبقريته تحت أحذية جنرالات الحرب الأمريكان، وأبدع فى خدمة آلة الحرب، وأنتج ما يصبون إليه من سلاح دمار شامل، ثم عاد إلى أهله ملوما محسورا، يتباكى على ما جنته يداه، ويتنصل من قنبلته القذرة بعد أن خضع لمحاكم التفتيش المكارثية فى زمنه.
هوليوود تكذب وتجمل وجه أمريكا القبيح، لسان حال أوبنهايمر خذنى بعارى، ورحل بعاره، وسيظل عار قنبلته القذرة يلاحقه فى قبره، ويلاحق كل من فتح صندوق الشرور «صندوق باندورا» لفناء البشرية.
خلاصته، فى عصر يعتبر فيه عدم القيام بأى شىء أمرًا محفوفًا بالمخاطر، لابد أن تكون البشرية مستعدة لما هو أسوأ.