بقلم - حمدي رزق
وكأنه كان ينتظر السؤال العابر، تلقف الرئيس السيسى «سؤال الدولار» يراوح مكانه على منصة منتدى الشباب (نسخة برج العرب)، ليجيب عن شواغل الطيبين بشأن الدولار، حديث الدولار يسرى بين الناس.
وضع الرئيس النقاط فوق حروف الدولار، والرسالة بعلم الوصول إلى الشارع الذى يعانى غلاء الأسعار بسبب تحريك سعر الدولار تحريكًا ليس تحريرًا، وإلى الخارج رسالة إلى خبراء صندوق النقد الدولى وكافة المؤسسات المالية، التى تشارك مصر فى خطة الإصلاح الاقتصادى، وجميعها تضغط على الحكومة المصرية لتعويم الدولار عاجلًا دون حساب المآلات.
الرسالة الرئاسية تقول: هذا الأمر يتعلق بحياة المواطنين والأمن القومى، وبكلمات قاطعة حاسمة لا لبس فيها، قال الرئيس: «تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار لو هيأثر على المصريين (بلاش)، حتى لو هيتعارض مع مطالب صندوق النقد».
ترجمة قول السيسى «بلاش» تعنى المرونة فى تحرير سعر الصرف «محتملة»، وعلى مضض، «مُكرَه أخوك لا بطل»، وعلى مراحل، وحسب الحال والأحوال المعيشية، كسياسة وطنية معتمدة، ولكن التحرير الكامل (تحرير سعر الصرف) يُكلفنا ما لا طاقة لنا به، وهذا جد خطير على معايش الناس، ومن مهددات الأمن القومى فى التحليل الأخير.
يصح القول، لن يرضى عنك الصندوق والمؤسسات المالية حتى تتبع خطتهم، ولكن القاعدة المعتمدة وطنيًّا، لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، ولتحرير الصرف حدود، وللصبر حدود، وحدوده طاقة المواطن على احتمال ارتفاع الأسعار، السيسى منحاز للوطن والمواطن، عينه على الناس فى الشارع، والمواطن تحمل من الغرم الكثير، والحمل ثقيل، وثقة الشارع فى القيادة السياسية لا تخيب.
السيسى دومًا عند حسن الظن، مصلحة المواطن أولًا قبل توجيهات الصندوق (شروطه)، وهذا ما عهدناه منه، وكلمة «بلاش» ليست «طق حنك»، ولا كلام ساكت عن البيان، وليست صيغة للاستهلاك المحلى، السيسى رجل صادق العهد، ويتعامل بشرف فى زمن عز فيه الشرف، وإذا قال «بلاش» يقينًا سيراجع خبراء الصندوق أنفسهم، وفق المنظور الاجتماعى الذى يلفتهم إليه الرئيس.
حديث الرئيس عند البعض يفسر على أنه خروج مصر على طاعة صندوق النقد الدولى، وهذا تزيُّد فى التحليل، توصيات الصندوق ليست أوامر فوقية، ومصر فى شراكة متكافئة مع الصندوق، وتنال منه إشادات وبعض انتقادات، وعلى مراحل يجرى التنفيذ الأمين لبنود الشراكة، والشراكة تقتضى تفاهمات وتفهُّمًا لمآلات التحرير الكامل لسعر الصرف، وحكومة مصر أدْرَى بشعابها، بشعبها، والرسالة بعلم الوصول، مصلحة المواطن خط أحمر، وعند هذا الخط يقف الصندوق لا يتجاوزه ضغطًا للحكومة.
ضرب الرئيس ثلاثة أمثلة دالّة على نواتج تحرير سعر الصرف على المواطن، ومنها «سعر اللحوم»، كلها تقول إن كل تحرير يقابله ارتفاع فى الأسعار، محسوبة على سعر الدولار.
والحل ترشيد الاستيراد، وهذا يتطلب جهدًا وطنيًّا خالصًا لإحلال المنتجات المصرية بديلًا عن الاستيراد، والحاصلات الزراعية بديلًا عن المستوردة، ما يترجم حتمية إنتاج بعض ما يُستورد فى مصانع وطنية لتوفير الدولار، الذى يذهب هباء فى «بلهنية» الاستيراد الرغد من موروثات عهود مضت.
جد ما حاجتنا لاستيراد «الفستق» ونحن نشتهى «القمح»؟!، معلوم أن من الضرورات الخمس حفظ المال، وترجمته فى حالتنا لجم الاستيراد.