وتجاوزت درجة الحرارة على القاهرة الكبرى أمس، لأول مرة خلال هذا العام، حاجز الـ ٤٠ درجة مئوية!!.
حالة الطقس في «مايو» تؤشر على طقس خليجى قائظ، فما بالك بـ «يونيو ويوليو وأغسطس»!!.
شكلنا داخلين على «صهد» الفرن المناخى، مصر إذ فجأة تحت «خط الاستواء»، الشمس متعامدة فوق الرؤوس، تشوى الوجوه، ومع الرطوبة، ربنا يستر على الغلابة بدون تكييف.
جماعة «بنحب الصيف» في مرمى سخرية جماعة «بنحب الشتاء»، انتباه يا طقس، بصوت طيب الذكر «توفيق الدقن»، وأحلى من الشتاء مفيش، سخرية ترطب الأجواء الساخنة.
المصريون يسخرون تحت خط الاستواء، نكات ساخنة.. وكوميكسات عارية، وتصادف أحدهم عرقه مرقه، وأنفاسه متقطعة، بالكاد يتنفس، ويحشرج قائلا «بحب الصيف».. فعلا من الحب ما قتل!.
كان طيب الذكر الشاعر الجميل «مأمون الشناوى» لا يحمل ودا للصيف، ولأسباب في بطن الشاعر، تفصح عنها أبيات مقفاة من أغنيته الخالدة «الربيع» التي تغنى بها الموسيقار الكبير «فريد الأطرش»، كما يقولون المعنى في بطن الشاعر والأسباب أيضا.. يقول في مناجاة مغناة:
«لمين بتضحك يا صيف لياليك وأيامك
كان لى في عهدك أليف عاهدنى قدامك
وكان لى في قلبه طيف يخطر في أحلامك
من يوم ما فاتنى وراح، شدو البلابل نواح
والورد لون الجراح، والورد لون الجراح، والورد لون، لون الجراح..».
هرمنا على قاعدة مناخية راسخة رسوخ الجبال الرواسى، في وصف الحالة المناخية المصرية تقول: «حار جاف صيفًا، دافئ ممطر شتاء»، يقينًا باتت ماضيًا، وبالأحرى اختصار مخل لطقس مختل، قاعدة أطاحها صيف هذا العام، الذي هب باكرًا ساخنًا يشوى الوجوه، يذوب من صهده عين القطر «النحاس»، تحس باحتياج عارم لفتح باب الثلاجة طويلا.
حتمًا ولا بد من وصف جديد لمناخ مصر، بات ضروريا ومستوجبا، ليس من قبيل رفاهية المتفكهين، أو من قبيل اللغو غير السياسى، أو ملء المساحات الفاضية على المقاهى، أو تزجية فراغ لناس فاضية.
رسم الخريطة المناخية الجديدة يُترجَم إلى رسم الخريطة الزراعية الجديدة، تقلبات المناخ بلبلت الفلاحين، وأطارت صوابهم، ولخبطت ثوابتهم، وزعزعت قوانينهم الزراعية، فلم يعودوا يميزون بين مسرى وبرمهات (من أسماء الشهور القبطية التي تنظم الزراعة).
الثابت يقينًا وعلى رؤوس الأشهاد أن المناخ المصرى تقلب تمامًا، صار متقلبًا، مزاجه متعكر، وأرجو ألا يستنيم خبراء الأرصاد طويلا على قاعدة حار جاف صيفًا دافئ ممطر شتاءً، لا يودون المساس بها وكأنها من الثوابت المرعية، مع أن العالم بأسره يغير نظرياته المناخية.
لسنا استثناء، ويستوجب أن نذهب سريعًا إلى قراءة جديدة لمؤشرات المناخ المصرى، خلال العقد الأخير على أقل تقدير، هذا من قبيل الأمن القومى، الذي يرتهن بالأمن الغذائى، فضلا عن معايش الناس، وطبيعة اللباس، وشيوع الأمراض، ومتوالية الأوبئة القادمة من خارج الحدود في بلد تلفه صحراوات قاحلة ذات مناخ قارى.
القاعدة جو خانق صيفًا، سيبيرى مثلج شتاء، إذا جاز القول مناخيًا، القاعدة القديمة حار جاف صيفًا استنّها علماء، وتغييرها سيقوم عليه علماء، لا هي معادلة مقدسة ولا اكتسبت قداسة، هنا لا نتحدث عن صحيح البخارى، نتحدث عن صحيح المناخى، ولم يكتسب قداسة بعد.