بقلم - حمدي رزق
«حزن تمدد فى المدينة
كاللص فى جوف السكينة
كالأفعوان بلا فحيح..».
جسد طيب الذكر، الشاعر الكبير «صلاح عبدالصبور»، فى مقطع من قصيدة «الحزن»، حالتنا، أمس، ونحن نشاهد صورا مؤلمة لحريق كنيسة «أبوسيفين» العريقة بإمبابة.
ونكمل مع طيب الذكر نحيب الروح:
«يا صاحبى، إنى حزين/ طلع الصباح، فما ابتسمت، ولم ينر وجهى الصباح/ وخرجت من جوف المدينة أطلب الرزق المتاح/ وغمست فى ماء القناعة خبز أيامى الكفاف».
حزن شفيف، ألم بنا جميعا، صرنا فى الطرقات حزانى عليهم لا يكفكف لنا دمع، يعزى بعضنا بعضا، ونتشاطر الأحزان، أحزانك يا وطن، والرئيس متألما محتسبا يصلى ويعزى ويغرد حزينا: «وأتقدم بخالص التعازى لأسر الضحايا الأبرياء، الذين انتقلوا لجوار ربهم فى بيت من بيوته التى يُعبد بها».
تعزية من القلب من الرئيس السيسى لإخوته الذين أصابهم الحريق وهم يصلون فى بيوت يذكر فيها اسمه، اسم الله سبحانه، والمصريون جميعا من أعماق قلوبهم يعزون بعضهم البعض، ويشدون من أزر بعضهم بعضا، ويتساندون فى المصائب.
المصاب جلل، والحزن عميق، والمصلون حاصرتهم النيران، منهم من قضى نحبه متعبدا، ومنهم من يعالج جروحه بدموعه تترقرق متضرعا إلى الله «كيرياليسون».. و(كيرى) اختصار (كيريوس) أى «الرب» أو «يا رب». وكلمة (إليسون) أى «ارحم»، أى «يا رب ارحم».
كيرياليسون، يارب بلسم جروح القلوب بلطفك، وطبب النفوس برحمتك، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، إنك تقضى ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت.
فراق الأحباب سقام للألباب، وسبحان من له الدوام، هكذا تجسدت لحمة الشعب المصرى فى إمبابة، المسلمون يغيثون المسيحيين، نفروا جماعات نحو الكنيسة المنكوبة يسابقون الموت لإنقاذ إخوتهم من نار محدقة، مشهد مصرى وطنى بامتياز، مهما كتبت الأقلام لا تعبر عن بلاغة الصورة.
المصريون يبدعون فى الأزمات، ويجتمعون فى الملمات، ويتنادون فى الأزمات، ورغم الحزن الساكن فينا، ورغم الحريق وألسنة النار، سيبقى الحب الذى يجمع بيننا ليل نهار.
تعزية من قلبى لرئيس كل المصريين، ولبابا المصرىين، ولكل مصرى بات محزونا على إخوته، وعلى نهج الحبيب صلى الله عليه وسلم، «مثلُ المؤمنين فى تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ كمثل الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى»، هكذا حال المصريين فى توادهم وتراحمهم.. باتوا محزونين وسهروا على الطبطبة على قلوب إخوتهم.
استباق التحقيقات، وتسبيب الأسباب، والتطوع بالاحتمالات، من منصات فضائية وإلكترونية عقورة، لا محل لها من الإعراب الوطنى فى سياق تحقيقات على أعلى مستوى أمنى وقضائى متوفر على تمحيص الأدلة، وتقليب الرماد، بحثا عن سبب الحريق، والنيابة العامة عن كثب تُعلم الشارع الحزين بكل المستجدات.
شاهدت طرفا من تغطيات صحفية مبكرة للحادث على قنوات معادية تستهدف المسيحيين فى ثقتهم بوطنهم، ومؤسساتهم، وقياداتهم الروحيين، وبأنفسهم، وتقلق أمنهم، وتبلبل أفكارهم، وتستعيد ذكريات أليمة عبرت إبان استهدافهم من عصابات الإرهاب، وهذا من قبيل الفتنة النائمة، لعن الله من أيقظها بين ألسنة الحريق.. يوقظونها لتحرق وجه الوطن.. فحذارِ.