يشتعل الفيس، يولع تويتر، وتمسك النار فى إنستجرام، اختفاء فتاة قبطية، يوم، اتنين، أسبوع، اتنين.. تلاتة، تظهر الفتاة المختفية بين أهلها مبتسمة، حمدالله على السلامة.
لا عرفنا متى وأين اختفت، ولا متى وكيف عادت، وقبل أن تُطوى الصفحة، تختفى أخرى، نفس السيناريو، هكذا دواليك، ما بين بكائيات فى منشورات، وست دمعات، ومنشورات تضج بالفرحة، و«نورتى بيتِك».
الفيس مرشوم بحكايات اختفاء الفتيات القبطيات، وكل حكاية برواية، وكل داخل بفأسه، وصفحات وحسابات باتت متخصصة فى سرد هذه الروايات، ما يستجلب تعاطفًا من العموم يتحول لعنات فوق رؤوسنا جميعًا.
إزاء ظاهرة إلكترونية شريرة، وخطورتها فيما تستجلبه من توترات فى الفضاء الإلكترونى أخشى تتنزل على الأرض فتُحدث شقاقًا، ما يستوجب لجمها قبل استفحالها، آخر الدواء الكى بالقانون.
الكتابة الجدية فى هذا الموضوع تتطلب احترازات مرعية عند الحادبين على سلامة الوطن، الظاهرة مثل كرة الثلج الإلكترونية تكبر كلما انحدرت إلى سفح الواقع المعيش لتسد عين شمس الحقيقة.
خطورتها فى استجلابها للفتنة المجتمعية، لقد برئنا من الفتنة الطائفية بعد تضحيات جسام، مَن ذا الذى يصطنع الفتنة مجددًا، مَن يوقظها ويعمل على إشعالها فى ثياب الوطن؟.
لعن الله الفتنة ومَن أيقظها، الركون للدعاء لا يعالج الداء، لفتنى الصديق الدكتور «سامح فوزى»، فى مقال مهم فى صحيفة «الشروق»، إلى جملة حلول، منها عودة «جلسات النصح والإرشاد»، التى كان معمولًا بها قبلًا للتيقن من حقيقة التحول الدينى دون ضغوط، ومراجعة المتحولين والمتحولات، ولاسيما الصغيرات (تحت السن)، وإقرار أو استنكار التحول بعد مراجعات، وهذا بيت القصيد.
ما طرحه الدكتور «سامح فوزى» لا يتسق مع النقلة المجتمعية التى بتنا عليها. استمرار واستمراء تديين الظاهرة لا يوفر علاجًا. يُعمق الظاهرة، وفى ظهرانينا المجلس القومى لحقوق الإنسان يؤتمن على المراجعات مع المتحولات.
ترشيح المجلس لأسباب يقول بها الكاتب الصديق «هانى لبيب»، فى مقال مهم فى «روزاليوسف» لحياد أعضائه. وللتأكد من عدم التعرض للإجبار والإكراه، وعلى أن يتم تنفيذ توصياته بشأن كل حالة على حدة طالما كان المتحول دينيًّا راشدًا وكامل الأهلية، وهذا من شأنه التأكيد على كفالة «حرية العقيدة»، وعلى احترام رغبة المتحول دينيًّا.. طالما كانت رغبته الشخصية الكاملة، ومع توافر وجود فرصة لعائلة المتحول دينيًّا للتأكد من وجود رغبة حقيقية دون ضغوط أو تهديدات لتهدئة العائلات، بعيدًا عن وصمهم بما يمس الشرف والعار.
لافت بشدة توقيت إثارة هذه النعرات الطائفية، وتزامنها مع ضغط الدولة خارجيًّا بالملفين الحقوقى والدينى، فى سياق أزمة اقتصادية مؤلمة، وقبيل الانتخابات الرئاسية، مع هيجان إلكترونى صاخب على كل شىء وأى شىء، هذا كله يستوجب لجم هذه الفتنة ووأدها فى مهدها.
وابتداء وانتهاء التحقق من حقيقتها، وحجمها، والتوقى مستقبلًا منها، كل التحسينات التى جرَت على الملف الدينى، ورأسها وذروة سنامها حرية العبادة، وحرية المعتقد، تدهسها أقدام الفيلة الهائجة فى الفضاء الإلكترونى، يهيلون عليها التراب، بقصص وحكايات ومرويات، وهناك مَن برعوا فى توليفها، ومَن يتحزبون من حولها على الجانبين.
وجوه قبيحة دخلت على الخط المعوج، تطل على المشهد الكئيب بنفَس طائفى كريه، لا يمكن فصل الحكى الطائفى البغيض عما يفيض به المجتمع من حكى استهدافى لكل ما هو جميل فى مصر، جد أقسموا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحين ولا يستثنون، المشرحة مش ناقصة طائفية.. استقيموا يرحمكم الله.