الكتابة البيضاء تبهج النفس، تسعد الروح، تغبط القلب، كتابة طازجة بطعم اللبن الصابح، تشيع تفاؤلًا، ترسم بسمة، تخط طريقًا، تفتح بابا، تؤذن بفجر جديد.
مشتاقون لكتابةٍ بيضاء فى زمنٍ تسود فيه الكتابة السوداء الأجواء، تشيع كآبة، تسد النفس، تقلب المواجع، تقض المضاجع، توليفة رديئة من أدخنة زرقاء تغيب العقول.
الكتابة السوداء كالعسل الأسود المتخثر، يواقعها الذباب الإلكترونى، يسقط فيها الذباب الأسود بكثافة، رائحتها نفاذة، تأنفها الأنوف الحساسة.
لم نعرف بعدْ الحبر الأبيض، الحبر عادة أسود أو أزرق، للأسف لون الحبر كَرَف على الكتابة، وجبة سوداء صباحية/ مسائية، كالطبخة السودة، اختفت الكتابة البيضاء تحت وطأة سواد يغشى النفوس.
الكتابة السوداء تعجب الذى فى قلبه مرض، سواد القلوب كارف على السطور، الكتابة بالحبر الأسود صارت طقسًا مرعيًا، تجلب إلكترونيًا إعجابات، ولايكات، وتسجل أكثر قراءات، وتتصدر التريندات، وكلما اسودت سطور المقال راجت فى الأسواق السوداء، ورحبت بها المواقع الملونة على أزرق، والمنتديات المخططة أسود فى أسود.
أخشى، «سوق الكتابة البيضاء جَبَر»، الفضاء الإلكترونى صار معتمًا، حالك السواد، لا تروج فيه سوى الكتابة السوداء، من أى نبع تفجرت هذه الكتابات المسمومة، هناك ثعابين تبخ سمًّا فى الينبوع الصافى، تحيله ماءً مسمومًا.
عند المؤلفة قلوبهم، مارقٌ من يكتب بالحبر الأبيض فى هذه الأيام السوداء، عجبًا من العجب الكتابة السوداء طقسًا مرعيا، اجتراء على الحقيقة أو اجتزاء، أو فحسب اتهام جزافى وسب وقذف وقدح وخوض فى الأعراض، جميعها تصنف شجاعة، معارضة تجتذب تصفيقا حادا، ترسم محرريها أبطالا شطارا.
الكتابة البيضاء تصنف موالسة، تجر على صاحبها جملة اتهامات، أقلها «مطبلاتى»، وهو اتهام مطلوق فى الفضاء كسهم مسموم يصيب بعض الكتبة على الكنبة قعودا على الناصية فى الفضاء العام.
الكتابة السوداء تكسب كثيرًا، السواد مهنة.. سوّدها أكثر، تربح شعبية، ترسم شجاعًا وأنت فحسب موتور وقلبك أسود..
كل هذا السواد، لماذا تشيع الكتابة السوداء فى الأسواق، وتخيم على الأجواء؟.. لكل ظاهرة أسبابها، الكتابة السوداء ظاهرة للعيان.
بعيدًا تمامًا عن اتهامات التخوين المعلبة فى علب سوداء أو غيرها من المصطلحات المصكوكة صكًا مؤامراتيًا، الكتابة السوداء يقينًا تعبر فى الغالب عن دفتر الأحوال، عن حالة مزاجية سوداوية تغشى قطاعات واسعة من الكتّاب.
نحسن الظن بالجميع، ولسنا براء، وكتابتنا ليست دومًا بيضاء، معدلات السواد فى المجتمع تنتج كتابتها وكتّابها، الأقلام مثل نحل العسل تملأ بطونها من منتوج المجتمع، تفرز من هذا الحبر سطورًا، وتنسج على منوال الحزن قصايد.
الشكوى من الحال والأحوال جد شائعة، كل يشكو حاله لحاله، وكل يغنى على مواله الحزين، وكل يعزف لحنه الأثير على ناى حزين.. إذًا لماذا الكتابة كتعبير عن الحال لا تكون سوداء؟.. الخبر الأبيض خلص، مافضلش غير دمعة مرسومة فى المناديل.
وحكمة الأيام الخوالى: إذا ما تجمعت السحب السوداء فى السماء، فلا تخشَ ولا تجزع، إنه المطر سينهمر من اصطكاك السحاب، يسقى الأرض العطشى للأمل.
سوِّدوها أنى شئتم، وَشاءَ لَكم الهَوى، لوِّنوا السحاب بسناج صدوركم المترعة سوادا، ستمطر خيرًا على أرض مصر، فيها نماء بإذن الله.